بسبب لجوئهن لمحال معالجة شعبية غير مرخصة: البواسير كابوس يهدد حياة اليمنيات

شارك المقال

منيرة أحمد الطيار – نسوان فويس

في قرية بعيدة خارج العاصمة صنعاء، تختبئ قصص نساء يدفعن ثمن الفقر واليأس بصحتهن هناك في “دكاكين” غير مرخصة، يُباع الأمل الزائف بحقن إبر مجهولة المصدر مقابل حفنة من الريالات.

ألم إبرة لم ينته

وقفت رحاب علي الشابة البالغة (24 عامًا) في طابور طويل من الرجال والنساء، في إحدى العيادات الصغيرة خارج صنعاء، تنتظر دورها في عيادة الإمام الطبري (مركز غير مرخص يعتمد على الطب الشعبي)، بناءً على نصيحة أختها الكبرى التي أكدت لها أن هذا المكان سيخلصك من الوجع سريعًا وبثمن بخس. ذهبت رحاب التي تعاني من البواسير للعيادة، ودفعت في المقابل مبلغ 28 ألف ريال يمني مقابل حقنة مجهولة المصدر، دون أي إجراءات احترازية أو تخدير: “كان الألم شديدًا جدًا، كأن نارًا تشتعل داخلي” تقول رحاب بصوت مرتجف ل”نسوان فويس”.

قرر لها المعالج بعض المهدئات والتحاميل، عقاقير من عائلة (الفولتارين) وكريم موضعي بتركيز 3% من (الإريثروميسين) مضاد حيوي، لكن الإمساك استمر، والبواسير عادت أقوى.

“أشعر الآن بالخوف الدائم؛ كانت هذه تجربة غير محسوبة المخاطر، ماذا لو أدت هذه الإبرة إلى شيء أسوأ؟” تتساءل رحاب، وهي تحكي قصة لجوئها لمعالج شعبي.

قصة رحاب واحدة من آلاف القصص الأخرى لنساء من مختلف المحافظات، وقعن ضحايا لجهل مجتمعي، بالتزامن مع انهيار المنظومة الصحية في البلاد.

لعل أبرز أسباب اتجاه اليمنيين لمراكز الطب الشعبي التي تتراوح أسعار الحقنة فيها بين 20 إلى 40 ألف ريال فقط شامل الفحوصات، أو أسعار رمزية مع علاج رخيص مغشوش لا يتجاوز ثلاثة ألف ريال، هو التباين الكبير بين أسعارها وأسعار المستشفيات الحكومية والخاصة

 

الفقر كسبب للموت البطيء

لعل أبرز أسباب اتجاه اليمنيين لمراكز الطب الشعبي التي تتراوح أسعار الحقنة فيها بين 20 إلى 40 ألف ريال فقط شامل الفحوصات ،أو أسعار رمزية مع علاج رخيص مغشوش لا يتجاوز ثلاثة ألف ريال، هو التباين الكبير بين أسعارها وأسعار المستشفيات الحكومية و الخاصة، إذ قد يتجاوز علاج بسيط للبواسير 200 ألف ريال يمني، فيما قد تصل قيمة التحاليل الطبية إلى 30 ألف ريال ،إلى جانب تكاليف الأدوية الشهرية التي قد تفوق حاجز 15 ألف ريال، وجميعها تكاليف فوق قدرة اليمني البسيط على مجاراتها،  علاوة على بيروقراطية الإجراءات التي تفاقم من معاناة المرضى، وعليه يتجه المرضى لهذه الدكاكين التي يزداد انتشارها بشكل كبير.

هذا التباين ليس مجرد أرقام؛ إنه فخ اقتصادي يجعل النساء اللواتي يعانين من نقص التغذية والإمساك المزمن – الناتج عن سوء التغذية – يفضلن الخطر الرخيص على السلامة الباهظة.

 النزيف الذي لم يتوقف

أمينة (38 عامًا)، ربة منزل، من إحدى قرى حجة، لم تكن تتصور أن زيارة “دكتورة” ستحول حياتها إلى جحيم، حيث بدأت تعاني من نزيف وألم شديد، لكنها ترددت في زيارة المستشفى بسبب الخجل من الأطباء الذكور وارتفاع تكاليف المواصلات: “دفعت مبلغًا بسيطًا مقابل علاج سريع، لكنه بعد أيام قليلة تفاقم إلى نزيف، ويزداد وضعي سوء وحرج” تروي أمينة معاناتها لـ “نسوان فويس”.

وتتابع وعيناها ممتلئة بالدموع: “أشعر بالخوف، والقلق من التعامل مع المعالجين، ومن كل عيادة غير مرخصة، لكن الفقر يجبرنا على مثل هذه الخيارات”.

قصة أمينة تكشف عن الجانب الإنساني المأساوي لنساء يدفعن ثمن نقص الوعي، وغياب الخدمات الطبية المناسبة والمتاحة أمام البسطاء، حيث يصبح الدكان “الملاذ الأخير” في مجتمع تتغلب فيه ثقافة العيب، والخجل على ضروريات التداوي والسلامة.

دائرة الفقر تغذي الوباء

يُوشك اليمن بحسب تقارير البنك الدولي للعام 2025، أن يصبح أفقر دولة في العالم، إذ يعيش نصف سكانه على أقل من 1.50 دولار يوميًا. وضع خلفته الحرب المستمرة منذ عقد ، متسببة بتدمير أكثر من 50% من المنشآت الصحية، ونزوح ملايين المواطنين، مما جعل الوصول إلى الرعاية الطبية حلمًا بعيد المنال.

وذلك ما أدى لتفاقم عديد أمراض، بينها حالات البواسير الناتجة عن سوء التغذية والافتقار للمياه النظيفة، إلى جانب الإمساك المزمن. وكن النساء الريفيات والنازحات الأكثر تضررًا، بسبب عجزهن عن دفع فواتير العلاج، وعدم امتلاكهن لوسائل نقل إلى المستشفيات، كما أوضحت الدكتورة، فاطمة نعيم، دكتورة نساء وولادة في مركز الرحمة بمديرية القبيطة بمحافظة تعز.

تابو الخجل وتمكين زائف

من منظور علم الاجتماع فإن هذه الظاهرة ليست وليدة وضع اقتصادي معقد وحسب بل تتصل بالتابوهات الاجتماعية، التي تتجنب التعاطي مع المشاكل المرضية للجهاز الإخراجي، خاصة لدى النساء، الدكتورة لينا العبسي أخصائية علم الاجتماع بجامعة العلوم والتكنولوجيا، تقول لمنصة “نسوان فويس”: هناك وصمة اجتماعية تجبر المرأة- تحديدا- على كتم أوجاعها، والتحرج عن عرضها على مختص، واللجوء عوضا عن ذلك للدكاكين التي تسمى عيادات المعالجين الشعبيين، والتي عادة تكون في واجهتها امرأة.

الدكتورة شريم: تأتي إلينا حالات تم حقنها بإبر في مراكز غير مختصة، مصابة بجروح ملوثة نتيجة غياب النظافة والتعقيم، ما سبب لها التهابات وفيروسات مختلفة، مثل التهابات الكبد، أو فيروس الإيدز

تحذيرات من كارثة صحية

حذر الدكتور، ذي يزن العريش، استشاري الجراحة والمناظير وجراحة القولون والمستقيم والبواسير والنواسير، في حديث لمنصة “نسوان فويس” من لجوء مرضى البواسير إلى الطب الشعبي أو الحقن عند غير المتخصصين، من العاملين في عيادات أشبه بدكاكين الحلاقة، كون ذلك يسبب مشاكل مستقبلية خطيرة، نتيجة عدم التدخل الدقيق، أو بسبب عدم سلامة الإجراءات الطبية، ما ينتج عنه الإصابة بالعدوى، والنزيف الذي قد يؤدي إلى الوفاة”.

وتتفق معه الدكتورة سارة شريم، اخصائية جراحة، إذ تقول لمنصة “نسوان فويس”: “تأتي إلينا حالات تم حقنها بإبر في مراكز غير مختصة، مصابة بجروح ملوثة نتيجة غياب النظافة والتعقيم، ما سبب لها التهابات وفيروسات مختلفة، مثل التهابات الكبد، أو فيروس الإيدز ”

مضيفة:” تسبب المواد الحارقة في هذه الإبر تليفًا وحروقًا في فتحة الشرج، وقد تضرب العضلة القابضة مسببة فقدان التحكم في البراز، وحالات تعفن أنسجة تتطلب عمليات متعددة، وأحيانًا تكون المشكلة عبارة عن سرطان مبكر، يُعالج كبواسير بسبب عدم التخصص”. كلا الطبيبين يؤكدان أن البواسير لها درجات متعددة، بعضها لا يحتاج جراحة، لكن الطب الشعبي يتجاهل ذلك، مما يحول مشكلة بسيطة إلى كارثة.

عقوبات دون مستوى الضرر

رغم وجود قوانين صارمة، تبقى العقوبات ضئيلة وغير مجدية في منع إعادة فتح هذه المراكز وفقًا لقانون رقم (26) لسنة 2002 بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية تنص المادة (34) على معاقبة كل من يمارس الطب دون ترخيص بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو غرامة لا تقل عن 700 ألف ريال أي ما يعادل 1310$ فقط.

فيما تسمح المادة (35) بتعدد العقوبة وتضاعفها في حال العودة مع إمكانية إغلاق المنشأة مؤقتًا أو نهائيًا، ومع ذلك تظل هذه العقوبات نظرية، ففي 15 يناير 2019 أغلق مكتب الصحة في محافظة صنعاء 13 مركزًا غير مرخص، بما في ذلك عيادة الإمام الطبري وعيادة قحازة للبواسير، تنفيذًا لتوجيهات وزير الصحة حينها. لكن سرعان ما عاودت معظم هذه المراكز للعمل دون ردع.

مقالات اخرى