قضايا الاغتصاب في اليمن: ضحايا يتحملنّ وزر الجاني وبشاعة الجناية…!

شارك المقال

دولة الحصباني – نسوان فويس

لا تقتصر تبعات جرائم الاغتصاب عند انتهاك إنسانية وكرامة الضحية، بل تتوغل الحادثة في نفسه وروحه لتترك ندوبا عميقة لا تبرى بمرور الزمن، علاوة على وصمة العار الاجتماعي التي ترافق المعتدى عليه للأبد، كأنه لم يكن يكفيه ما حدث له من أذى، ليتحمل وزر الجاني والجناية!!!

وبالرغم أن جرائم الاغتصاب تشكل أحد أشد أشكال العنف الجنسي قسوة، إلا أن اليمن والمنطقة العربية عمومًا، ما تزال تتعامل مع هذه القضية من منطلق يشوبه التكتم والغموض، يبدو هذا جليا في نسب الإبلاغ المتدنية -مقارنة بأعداد حالات الإبلاغ في بلدان الشرق والغرب، هذا السلوك الذي تسيطر عليه ثقافة العيب ساهم-للأسف الشديد – في تنامي وانتشار هذه الظاهرة.

يشير تقرير للـ (Equality Now) ، الذي شمل 22 دولة عربية من بينها اليمن، إلى أن معظم هذه القوانين تشترط على الناجيات إثبات المقاومة الجسدية أو تقديم أدلة طبّية فورية!!!
 ما يفاقم من مأساة الضحايا، ويحملهن عبئًا غير عادل، بل قد يُعطل وصولهن إلى العدالة خاصة في الحالة اليمنية التي تفتقر فيها المرأة لأبسط مقومات التمكين والوصول

الجريمة في أضيق تعريفاتها

في تقرير جديد لمنظمة (Equality Now) الدولية، بعنوان : في البحث عن العدالة: قوانين الاغتصاب في الدول العربية، خلص التقرير إلى أن معظم القوانين العربية ما تزال تعتمد تعريفات ضيقة للاغتصاب، تقتصر غالبًا على “العنف والإكراه الجسدي” ، متجاهلة أن المعيار الدولي الأساسي هو غياب الرضا الحر والمستنير.

ويشير التقرير، الذي شمل 22 دولة عربية من بينها اليمن، إلى أن معظم هذه القوانين تشترط على الناجيات إثبات المقاومة الجسدية أو تقديم أدلة طبّية فورية!!!
ما يفاقم من مأساة الضحايا، ويحملهن عبئًا غير عادل، بل قد يُعطل وصولهن إلى العدالة خاصة في الحالة اليمنية التي تفتقر فيها المرأة لأبسط مقومات التمكين والوصول.

إن ترك إنزال عقوبة الاغتصاب لتقدير القاضي، قد يترتب عليه عديد مظالم، نظرا لعدم وجود نصوص حازمة تنظم بشكل قاطع عملية البت في هذه الجرائم

نصوص مبهمة وواقع معادي

تُعاقب القوانين في اليمن على (الزنا بالإكراه) أو (هتك العرض)، لكنها لا تشمل على تعريف صريح وواضح للاغتصاب، لا يترك ثغرات قانونية لنفود الجاني، علاوة على أن  الأعراف الاجتماعية تقف حائط صد أمام محاولات الضحية البحث عن الانصاف.

سماح سبيع، محامية وناشطة حقوقية يمنية، تحدثت لـ”نسوان فويس” قائلة:” فصَّلَ قانون العقوبات اليمني في المادة (269)، عقوبة الاغتصاب بناءً على ثلاث مستويات، الأولى في حال كان المعتدى عليه بالغا؛ ذكر أو أنثى، فإن مدة عقوبة الجاني قد تصل لسبع سنوات، فيما تتراوح  بين سنتين إلى أقل من عشر سنوات في حال كان المعتدي (المغتصب) ولي أمر أو وصي، أما في حال كان المعتدى عليه تحت سن الخامسة عشر عاما، فإن عقوبة الجاني تتراوح بين 3 إلى 14 سنة فقط، بصرف النظر عن حجم وفداحة الاعتداء! “.

سبيع تشير إلى ضرورة إعادة النظر في قانون العقوبات، وتضيف:” إن ترك إنزال العقوبة لتقدير القاضي، قد يترتب عليه عديد مظالم، نظرا لعدم وجود نصوص حازمة تنظم بشكل قاطع عملية البت في هذه الجرائم.

وترى في الوقت نفسه أن القانون القائم قد يُقيِّد القاضي عن إصدار حكم يتناسب وبشاعة الواقعة ولذلك لابد من إعادة النظر في القانون، وتغليظ العقوبات الرادعة بحيث تصل كحد أدنى إلى 20 أو 25 سنة، خاصة أن هناك بلدان مثل مصر تشدد العقوبة لتصل للسجن المؤبد، وأخرى لحد الإعدام “.

تواجه النساء والفتيات صعوبات مضاعفة في التبليغ، ليس فقط بسبب ثغرات القانون، بل أيضًا بسبب الحرب والانهيار المؤسسي وانعدام مراكز الحماية والدعم النفسي.
” للأسف غياب الوعي المجتمعي، وسيادة ثقافة العيب، التي ينضوي تحت سلطتها حتى من نحسبهم على النخبة المتعلمة، آفة تلتهم حقوق الضحايا، إذ تتستر على كثير من جرائم الاغتصاب التي تقع، تحت مبررات الخوف من العار، ودرء الفضيحة!!” تتابع سبيع حديثها باستنكار كبير.

أصوات نسوية تدعو للتغيير

منظمات نسوية يمنية وعربية تُطالب بإصلاحات عاجلة، أبرزها؛ تعديل تعريف جريمة الاغتصاب في القوانين. إلغاء أي مواد تسمح بزواج الجاني من الضحية كوسيلة للإفلات من العقاب؛ وإن كانت اليمن لا تطبقها صراحة بحسب سبيع، إلا أن الممارسات العرفية قد تؤدي في بعض الحالات إلى نتائج مشابهة للأسف. إضافة إلى إنشاء آليات تبليغ آمنة وسرية للضحايا، وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، وليس انتهاءً بتشكيل شبكات وتكتلات لنشر الوعي المجتمعي، وتقديم الدعم والمساندة، مكونة من حقوقيين وإعلاميين ومؤثرين وصناع رأي عام.

ضحايا الصمت والوصمة المجتمعية

الثقافة السائدة في مجتمعاتنا ما تزال ترى في الضحية مسؤولة عن الجريمة، أو تعتبرها (عارًا) على الأسرة، وهو ما يفسّر إحجام كثير من النساء والفتيات عن التبليغ. هذا الصمت يُضاعف من معاناة الناجيات، ويُكرّس إفلات الجناة من العقاب.

” نعاني من حالة تراجع كبير على مستوى الضبط، وتحقيق العدالة، ولا أبالغ إن قلت إننا عدنا إلى نقطة الصفر، إذ تتزايد نسب جرائم الاغتصاب التي لا يتم الإبلاغ عنها، أو التي يتم تسويتها بطريق قذرة تعكس بشاعة المتواطئين فيها، خاصة في المناطق النائية، كواحدة من أبرز إفرازات الحرب، التي جعلت المجتمع يتعامل مع الجريمة باعتيادية تفتح علينا أبواب الاحتمالات الكارثية على مصراعيها ” استطردت سبيع القول.

دعوة إلى إصلاح تشريعي ومجتمعي

قدمت (Equality Now) توصيات تتقاطع مع دعوات منظمات الأمم المتحدة، التي أكدت أن مواجهة جرائم الاغتصاب لا تقتصر على معاقبة الجناة، بل تمتد إلى تغيير المفاهيم المجتمعية، والدفع بقضايا الاغتصاب قضائيا في مساراتها الصحيحة، وعدم جرها لمربعات تخفف من بشعاعتها كالتحايل على القانون، ووصف جرائم الاغتصاب بجرائم زنا، إلى جانب التوقف عن لوم الضحية، وتثقيف الأجيال الجديدة بأن الجسد لا يمس غصبا، وأن الاغتصاب جريمة جسيمة يترتب عليها تدمير حياة الضحايا كليا..

طريق قد يبدو أطول وأكثر وعورة في الحالة اليمنية، لكنه يبقى أفضل طرق المواجهة، ومقاومة توغل الفوضى، واللا أمان. إلى جانب تحديث التشريعات بما يتوافق مع المعايير الدولية. وتعزيز وعي المجتمع بخطورة الجريمة ورفض التواطؤ مع مرتكبيها، ثم تأتي على رأس هذه الإجراءات قضية الاستثمار في النساء والفتيات باعتبارهن أساس أي مشروع للسلام والتنمية في أي منطقة في العالم.

الصورة عبر: AI

مقالات اخرى