دولة الحصباني
شاركت إحدى الصديقات الفيسبوكيات منشوراً تقول فيه: ” تخيلوا أني أفسدت نصف الشعب “بحسب تعليق كان وصلها على صفحتها من أحد المتابعين.
لم تكن هذه مجرد شكوى فردية ،عابرة ، تعكس ردود فعل (الآخرين) نحو كثير من الأنشطة العامة التي تقوم بها عديد نساء في سياقات مختلفة، يتعرضن بسببها للتنمر والعنف الإلكتروني والسخرية، و تصل في معظمها لحد الانتقاص والاحتقار، علاوة على حشرهن -قسراً- ضمن (آلية لفظية) تنمط صورتهن العامة، وتؤطر أدوارهن وسلوكهن وحتى أفكارهن ومحاولاتهن للرؤية خارج حدود الأسوار العالية المضروبة عليهن.
نحن أمام ظاهرة عامة تتجاهل أهمية الحضور النسوي كشريك وكذات، وتتعامل مع أنشطتهن من منطلق جندري بحت، لا علاقة له بالنقد والتقويم القائم على الحجة والمنطق، وللأسف تكاد أن تنجح هذه الظاهرة في تكريس نفسها كواقع جديد، ملزم؛ الخروج عنه، خروج عن شروط البقاء والاستمرار في الفضاء العام.
قبل أيام تعرضت مصممة الأزياء اليمنية ماري السكري لحملة شرسة، كانت السكري تحاول أن تنقل خلاصة دراستها في مجال تصميم الأزياء بلندن، عبر عرض، انتقت عنوانا واضحاً يعكس طبيعة توجهه ومضمونه: ” رونق لندن بروح اليمن” لكن ردة فعل محمومة واجهت هذه التجربة الوليدة، هجوم اختلط فيه السخط الشعبي من الدور السياسي البائس للحكومة المعترف بها دولياً – التي رعت سفارتها في القاهرة الفعالية-، بالموقف الشعبي (المغلق) تجاه تجارب العصرنة والمحاكاة في مجالات عدة في مقدمتها مجال التراث والفنون.
اللافت؛ هو تحول ما يفترض أنه نقد لعمل فني، إلى حالة من الاستخفاف والتندر على شخص المرأة وجدوى موهبتها ودراستها بل وحتى حضورها العام، وقبلها وبعدها وفي هذه الأثناء التي تكتب فيه الكاتبة سطور هذا المقال، بشكل أو بآخر هناك عشرات النسوة تحت المقصلة ذاتها التي سنت لجز حضور هذه الفتاة الحالمة.
عودة للقاع
تتداعى الحياة في اليمن، البلد الذي تطحنه رحى الحرب على مدى أكثر من عقد، لكن وقع هذا التداعي كان أشد وطأة على الفئات المستضعفة وفي مقدمتها النساء، اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة غير متكافئة مع دوائر سياسية، دنية، قبلية متداخلة تضيق بهن وبأبسط حقوقهن شيئا فشيئا إبتداءًا من تحجيم أو مصادرة حقوقهن كمواطنات لهن كامل الحق في المشاركة العامة، والسفر والتعلم والاستطباب وليس انتهاءًا بمحاولة فرض نظاماً أحادياً لهيئة المرأة ( العفيفة، المحتشمة) .
وجدت هذه الدوائر الفرصة سانحة أمامها لفرض تموضعها وإعادة إنتاج نفسها حتى من داخل أعرق المؤسسات وأكثرها صلة بالمدنية مثل الجامعات والمؤسسات الثقافية والتنويرية، وللأسف صبت جل تركيزها على جنسنة كل ما يتعلق بالمرأة لتبدو كأنها منفصلة تماما عمّا حولها على الرغم أنها تعيش في بلد سبق له أن انضم لعديد اتفاقيات دولية متعلقة بالقضاء علي التمييز ضد المرأة بينها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
هشاشة الحماية
لا يمكن فصل ما تتعرض له النساء -سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الحياة العامة عموماً – عن سياقه الثقافي والاجتماعي، لكن غياب الدولة ولو في شكلها الصوري فاقم من حدة هذه المعاناة، وعرى هشاشة الحماية والدور النسوي الذي يتبنى في الغالب قضايا نسوية هامشية رغم تعاظم ما يجدر به أن يتبناه، عدا أن خطابه العام تتنازعه الاستقطابات والتوظيفات البعيدة كل البعد عن وجهة النظر النسوية المتصلة؛ المتأثرة والمؤثرة بواقع الحال.
ما تزال النسوية في اليمن غير قادرة على تقديم نفسها كحراك قادر على إحداث فرق في القضايا المتعلقة بالنساء تحديدا قضايا التمييز والعنف، لكن من الممكن أن تستفيد من أصوات وخبرات النساء اللواتي تمكن من اختراق حاجز العجز، وأعدن الاعتبار – عبر أدوات مدنية – للفعل النسوي الفاعل .تجربة الدكتورة ألفت الدبعي- كفرد مستقل- واحدة من التجارب التي يمكن البناء عليها، وإعادة بناء تحالفات ذات توجه (محلي) متخفف من عبء الإملاءات وسيطرة الجهات المانحة .