خديجة الجسري-نسوان فويس
فاطمة أحمد ٥٣ عاماً تضطر لجمع النفايات من البلاستيك والكراتين من شوارع حزيز كل صباح ؛ لكي تطهو به طعام أسرتها، فاطمة تعيل أسرة مكونة من خمس بنات وأربعة أولاد أحدهم معاق ذهنياً و زوجها عاطل عن العمل في ظل انقطاع المرتبات.
تقول فاطمة” في ظل الانقطاع المتكرر للغاز وغلاء ثمنه، وانعدام الحطب وضعف الحالة المادية اضطريت لجمع الكراتين وجمع علب البلاستيك منذُ عام ٢٠١٧م والمسألة لم تكن بسيطة لقد اصبتُ بالتهاب رئوي حاد ونقص بالأكسيجين ومنعني الطبيب من الطبخ بالبلاستيك حالياً صارت بناتي من يطبخن؛ لأنهن حطبنا الوحيد ولدي الصغير عنده الآن سرطان بالكبد ورجح الطبيب إن غاز البلاستيك هو السبب وهو يرقد حالياً في مستشفى الجمهوري وصار السعال مصاحب للجميع، لكن لا حل أمامنا سوى وقت اشتعاله إن نخرج الشارع حتى يصير جمر فنرجع نخبز ونعمل الشاي وهكذا قصة حياتنا كل صباح.
أسباب متعددة الضحية ” المرأة ”
تكاد المرأة اليمنية أن تختفي خلف سحب كثيفة من الدخان، جراء لجوئها إلى استخدام كل أنواع البدائل التي تمكّنها من الطبخ، بعد تفاقم أزمة الغاز المنزلي المتواصلة منذ اندلاع الحرب في البلاد قبل تسعة أعوام.
يقول الناشط الحقوقي صالح المظفر لمنصة نسوان”بدأت أزمة الغاز مع اندلاع الحرب مطلع العام 2015. وككل السلع الأساسية، أصبح الغاز يباع في السوق السوداء بأسعار باهظة، ووصل سعر الأسطوانة منه في صنعاء مطلع هذا العام إلى 30 ألف ريال ما يقارب ٦٠ دولار.
ويضيف المظفر؛ وعندما يتعذر توفير أسطوانة غاز، تلجأ المرأة في المدينة إلى استخدام “الكرتون” والبلاستيك ” وكل ما يمكن أن يُشعل ناراً. وتستعين به للطبخ وتستنشق الأدخنة السامة التي تنعكس على صحتها وصحة من حولها. والأمر في الأرياف لا يقل معاناةً، غير أن توفر الأشجار والاعتماد على الاحتطاب، وبحكم العادات هناك، فيمكن توفير البدائل بسهولة.
كل ما تراه حطبا
أما رانيا جمال فقالت”لأن المرأة هي المعنية بشؤون المطبخ، ويتوقف دور الرجل على توفير الاحتياجات الأساسية. إلا أن أزمة الغاز المتواصلة، وسّعت دائرة معاناتها، فأصبح البحث عن الغاز وتقنين استخدامه، و اللجوء إلى البدائل في حال انعدامه، جزءاً أساسياً من يومياتها فأصبح كل ما تراه أمامها حطباً. وتضيف ولأن البلاستيك متواجد بالشوارع بكثرة إضافة إلى أنه مادة طويلة المدى في الاشتعال أصبح محبب إليها أكثر تستطيع أن تطهو من مجموعة علب وجبة ولم تفكر بالعواقب الوخيمة التي ستجنيها بالمستقبل من الأمراض القاتلة التي ستصيبها وتصيب أطفالها.
أما الأستاذة رقية العنسي قالت” إن الرجال هم السبب بدرجة أساسية حيثُ هم قادرين على توفير مادة الغاز وكانت متواجدة لدى عقال الحارات بشكل كافٍ؛ لكنهم استخدموها كسلاح حرب وأصبحت النساء تواجه هذا المصير بمفردها دون أن يحرك الرجال أي ساكن؛ وتضيف العنسي في عز الأزمات ونحن نحرق البلاستيك والنايلون في الوقت الذي كان مخزن عقال الحارات يكتظ بالاسطوانات المملوءة بالغاز لكن كان لهم مآرب أخرى للضغط على المواطنين، والمواطنين يعتبروا الغاز كالحمل والرضاعة من خصائص النساء وليس الرجال.
وتختتم أستاذة الكيمياء قولها”الحرب والحصار البحرى وانقطاع شبكة الطرقات اليمنية وتسيس المواد الأساسية والضغط على المواطنين وإهمال الرجال، كلها أسباب أدت إلى انعدام الغاز والطهي بالبلاستيك الذي يسبب التسمم والسرطانات وتلف الكبد وفي كل الحالات الضحية هي المرأة وحدها.
الدخان القاتل يخنق المرأة
الدكتور جمال عبدالحميد أخصائي أمراض السرطانات استضافته منصة نسوان فويس للحديث عن أضرار الطهي بالبلاستيك الذي أصبح حطب معظم الأسر اليمنية منذُ اندلاع الحرب وانقطاع المرتبات وانعدام مادة الغاز وانعدام الحب فقال للمنصة”يعتبر الطهي من الأنشطة اليومية الأساسية في حياة الإنسان، ولكن استخدام مواد غير مناسبة مثل البلاستيك في عملية الطهي يمكن أن يؤدي إلى مخاطر صحية وبيئية.
وتؤدي عملية الطهي بالبلاستيك لأضرار محتملة عدة منها:
1. إطلاق المواد الكيميائية الضارة
عند تسخين البلاستيك، يمكن أن يتم تحرير مجموعة من المواد الكيميائية الضارة مثل الفثالات، البيسفينول A (BPA)، والمواد الكيميائية الأخرى. هذه المواد يمكن أن تتسرب إلى الطعام وتسبب مشاكل صحية خطيرة مثل:
• الاضطرابات الهرمونية: بعض المواد الكيميائية الموجودة في البلاستيك يمكن أن تؤثر على نظام الغدد الصماء و تسبب اضطرابات هرمونية.
• زيادة خطر الإصابة بالأمراض: قد يرتبط التعرض المستمر لهذه المواد بزيادة خطر الإصابة بأمراض مثل السرطان، وأمراض القلب، والسكري.
2. تأثيرات على الصحة العامة
استخدام البلاستيك في الطهي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية متعددة، منها:
• حساسية الجلد: بعض الأشخاص قد يعانون من تفاعلات جلدية نتيجة التعرض للمواد الكيميائية المنبعثة من البلاستيك.
• مشاكل الجهاز التنفسي: استنشاق الأبخرة الناتجة عن تسخين البلاستيك يمكن أن يؤدي إلى مشاكل تنفسية.
3. تأثيرات بيئية
استخدام البلاستيك لا يقتصر فقط على الأضرار الصحية، بل له تأثيرات سلبية على البيئة أيضًا:
• تلوث البيئة: حرق البلاستيك أو استخدامه في الطهي يمكن أن يؤدي إلى إطلاق مواد سامة في الهواء، مما يساهم في تلوث البيئة.
• النفايات البلاستيكية: تزايد استخدام البلاستيك يؤدي إلى زيادة كبيرة في النفايات البلاستيكية، مما يمثل تحديًا كبيرًا لإدارة النفايات.
مخاطر أخرى
أما أخصائي الباطنية الدكتور وليد بادي قال لمنصة نسوان فويس” المنتجات البلاستيكية الأكثر استخداما تحمل مواد كيميائية سامة يسهل استنشاقها وتناولها من قبل البشر، في الواقع فإن حرق النفايات البلاستيكية في مرحلة التخلص منها يشتت هذه المواد الكيميائية في الهواء ويسبب تلوث المياه والتربة، مما يؤدى إلى الإصابة بأمراض عديدة، مثل اعتلال الغدة الدرقية، بعض أنواع السرطان، الربو، وحساسية الجلد وغيرها.
وقد أظهرت الدراسات أن اللدائن الدقيقة تلحق أضرارا كبيرة بالخلايا في جسم الإنسان، مما يؤدي إلى آثار صحية خطيرة، بما في ذلك السرطانات وأمراض الرئة والعيوب الخلقية ليس هذا فحسب، بل يمكن للمضافات الكيميائية السامة في البلاستيك أن تغير نشاط الهرمونات في جسم الإنسان مما يعطل التكاثر والنمو والوظيفة الإدراكية، حيث تعمل اللدائن الدقيقة أيضًا كأوعية لدخول مسببات الأمراض إلى جسم الإنسان مما يزيد من انتشار المرض.
كما أن الأطفال والرضع في الرحم هم الأكثر عرضة للآثار الضارة للبلاستيك بسبب المراحل المبكرة من التنمية البشرية كونها حساسة بشكل خاص للمواد الكيميائية الخطرة في البيئة. وقد وجد أن التعرض للبلاستيك يزيد من مخاطر مضاعفات الولادة ونمو الرئة وسرطان الأطفال. والأهم من ذلك، أن يعني أن التلوث البلاستيكي سيستمر في إحداث الفوضى في حياتنا وأرضنا لأجيال قادمة.
اطلاق معادن سامة
وتؤدي جميع تقنيات إدارة النفايات البلاستيكية بما في ذلك الحرق والحرق المشترك والانحلال الحراري إلى إطلاق المعادن السامة، مثل الرصاص والزئبق والمواد العضوية الديوك سينات والفوران والغازات الحمضية والمواد السامة الأخرى في الهواء والماء والتربة. وتؤدي جميع هذه التكنولوجيات إلى التعرض المباشر وغير المباشر للمواد السامة للمجتمع من خلال استنشاق الهواء الملوث، والاتصال المباشر بالتربة أو المياه الملوثة، وتناول الأطعمة التي تزرع في بيئة ملوثة بهذه المواد يمكن للسموم الناتجة عن الانبعاثات والرماد المتطاير والخبث في كومة الحروق أن تسافر لمسافات طويلة وتترسب في التربة والمياه، وفي النهاية تدخل أجسام البشر.