أمة الرحمن العفوري-نسوان فويس
في قلب عدن، حيث تتزاحم المولات والمحلات وأسواق الجملة يعود عبق التاريخ ليعانق نضارة الحاضر وأطياف المستقبل وتدبُّ الحياة من جديد في سوق النساء الأول، هنا تتجلى قوة الكلمة وتأثيرها، إذ أن مفردةً واحدة “أستطيع” تكسر حاجز الصمت وتفتح أبوابًا كانت مغلقة منذ سنوات. فهذا المشروع الذي أطلقته مؤسسة (CPDS) بدعم من منظمة مسار السلام، يهدف إلى تعزيز دور النساء في اللجان المجتمعية وصنع القرار المحلي في عدن.
لم يكن هذا الإنجاز مجرد صدفة، بل هو ثمرة جهود متكاملة، انطلقت من مبادرة فريق استطيع بالتعاون مع مدير المديرية ووصلت إلى نشطاء المجتمع المدني، وعندما تقف على عتبة هذا السوق، تشعر وكأنك تخطو إلى تجربة استثنائية، تملأ قلبك بمشاعر الفخر والأمل، ترى كيف أن كلمة بسيطة يمكن أن تعيد صياغة واقع بأسره.
زيارتك لهذا السوق ليست مجرد جولة، بل هي رحلة لاكتشاف قصص نساء تحدّين الصعوبات وحققن إنجازات ملهمة، كل زاوية من السوق تروي قصة، وكل طاولة تحمل حلمًا وآمالًا، وكل بائعة تجسد روح التحدي والصمود .
امرأة تصنع عطر نجاحها
وفي إطار سلسلة حكايات النساء المكافحات، نروي قصة جنة حسين، امرأة شغوفة بعالم العطور والروائح العدنية، جنة التي أصبحت الآن أستاذة ومدربة في هذا المجال، عاشت رحلة كفاح مستمرة، تخوض غمار مشاريع وبازارات حتى تمكنت من فتح بسطة خاصة بها في سوق النساء.
منذ البداية، كانت جنة تدرك أهمية الاستقلال المالي، فكان لديها حلم قوي بأن تصبح مدربة في فنون العطور، وأن تساهم في إعالة أسرتها وزوجها من خلال بيع هذه الروائح الفريدة التي تتميز بها مدينة عدن منذ القدم، ورغم التحديات الكثيرة التي واجهتها لم تتراجع أبدًا.
إحدى العقبات الكبرى التي واجهتها كانت صعوبة فتح بسطات في السوق الرئيسي، حيث كانت الزحمة والوجود المكثف للرجال يشكلان عائقًا كبيرًا أمام النساء، ومع ذلك، أتيحت لجنة فرصة افتتاح بسطة في سوق النساء، وهو ما اعتبرته نقطة تحول في مسيرتها.
تقول جنة بتنهيدة طويلة: “رحلة كفاحي لم تكن سهلة مررت بعدة مراحل قبل أن أصبح مدربة في مجال العطور، رغم كل التحديات، لم أستسلم أبدًا ، كان من الصعب على النساء فتح بسطات في السوق الرئيسي أو في المولات بسبب ارتفاع الإيجار لدولار لكنني نجحت في ذلك ضمن سوق النساء.”
اليوم، تعمل جنة كمدربة في مجال العطور وتساعد زوجها وأسرتها من خلال مشروعها ترتيل لبيع الروائح العدنية، تعبر عن شكرها لفريق “استطيع النسوي” الذي ساهم في توفير المكان والدعم اللازم “أشكر كل الوحدات والسلطة المحلية في صيرة التي ساهمت في مساعدتنا لنصل إلى حياة أفضل، وعمل أكثر استقرارًا ودخل أكبر بإذن الله.”
أم على رحلة نحو الاستقلال المالي في عالم ملئ بالتحديات
لا تختلف قصص النساء كثيرا عن بعض فجميعهن في هذا السوق يسعين إلى تحقيق الهدف نفسه ففي المكان نفسه تقف أم علي، امرأة تحمل بين يديها أملًا وفخرًا لا يوصف، منذ سنوات كانت تعيش تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، تربي أطفالها في ظل غلاء الأسعار وتدهور العملة، دون أن تتاح لها الفرصة للعمل أو تحقيق استقلالها المالي.
تقول أم علي: “لم أعمل أبدًا في حياتي فقد كانت عائلتي تمنعني من الخروج أو العمل، حتى زوجي كان لديه تحفظات على ذلك” لكن مع الظروف الاقتصادية الصعبة و افتتاح السوق النسائي، تغيرت العديد من الأمور أصبح هذا السوق ملاذًا للنساء اللواتي يسعين لتحقيق أحلامهن، بعيدًا عن ضغوط المجتمع.
تستذكر أم علي كيف شجعتها الظروف الجديدة على الانطلاق في مشروعها الخاص. “عندما سمعت عن السوق، شعرت بشيء من الأمل لم أتوقع أن يسمح لي زوجي بالعمل ولكن عندما سمع بإن السوق نسائي ساعدني بتجهيز وحضر معي الى المكان والحمد لله فتحت بسطة بسيطة وبدأت بالعمل ” .”
تطمح أم علي على تحقيق حياة أفضل لها ولأطفالها فقد بدأت مشروعها من الصفر لكنها تؤمن بنجاحه، وتضيف بحماس ” أنا لا أبحث عن الرفاهية، بل عن لقمة العيش بكرامة تتزايد احتياجات أطفالي واسرتي يومًا بعد يوم، وهذا المشروع هو السبيل لتوفيرها.”
تدرك أم علي أهمية هذا السوق وتعبر عن شكرها لكل من ساعدتهن في تجهيز السوق وتطويره، وتأمل أن يستمر الدعم لتوسيع مشاريعهن” تشير إلى أن هذا الدعم ليس مجرد مساعدة مادية، بل هو دعم نفسي أيضًا، حيث جعلها تشعر أنها ليست وحدها في معركتها مع الحياة .
تتمنى أم علي أن تكون قصتها مصدر إلهام للنساء الأخريات، لتشجيعهن على السعي وراء أحلامهن وتحقيق استقلالهن المالي. “نحن نستحق أن نعيش بكرامة، وأن نكون قادرات على توفير احتياجاتنا وأسرنا. هذا هو حقنا، وسنسعى لتحقيقه بكل قوة.”
دور المرأة في المجتمع
أوضح مدير عام مديرية صيرة، الدكتور محمود نجيب بن جرادي في تصريح خاص لموقع “نسوان فويس “، أهمية الدور الفعّال الذي تلعبه المرأة في مختلف القطاعات، وخاصة في المجتمعات المحلية وأكد “د. بن جرادي ” أن السلطة المحلية استفادت من هذا الجانب، حيث تم العمل على تطوير العديد من المبادرات مع فرق محلية نسائية.
وأشار إلى أن آخر هذه المبادرات كانت مع فريق “استطيع”، الذي ساهم في تمكين النساء في سوق العمل وتخصيص مساحة آمنة لهن ، وبدورنا عززنا المقترح بتوفير الموقع، مؤكدا أن السلطة المحلية تدعم هذا المشروع من خلال تقديم كافة التسهيلات للنساء بما في ذلك إعفاءات من الضرائب خلال هذا العام نظراً لظروفهن الصعبة وبساطة المشاريع المعروضة.
وأضاف أن الهدف من هذه الجهود هو تمكين النساء مما سيساعدهن على تحقيق الاستقرار المادي والاقتصادي لأسرهن، وعبّر محمود عن ترحيبه بجميع المشاريع والأفكار التي تسهم في خدمة المديرية بشكل خاص وعدن بشكل عام، متمنياً أن يصبح سوق النساء ملاذاً آمناً لتمكينهن من تطوير مشاريعهن وتحقيق الاستقرار المادي والاجتماعي.
تعزيز فرص النساء البائعات
من جانب آخر قالت رئيسة مؤسسة دعم حماية وتنمية المجتمع (CPDS) أن إنشاء السوق الجديد يمثل نقلة نوعية للنساء البائعات في الأرصفة والشوارع، حيث يوفر لهن بيئة آمنة بعيدًا عن العنف والتحرش والمضايقات المحتملة.
وأنوه إلى أن العديد من النساء العاملات من المنازل يواجهن تحديات في تسويق منتجاتهن، مما يؤثر سلبًا على مبيعاتهن، لذا فإن وجود سوق آمن سيمكنهن من الترويج لبضائعهن بشكل أفضل وزيادة إنتاجهن.
وأضافت” إن الكثير من العائلات تخشى من البيئة العامة، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي لا تزال تعاني من آثار النزاعات، هذا الأمر دفع العديد من الأسر إلى منع بناتهم من الذهاب إلى الأسواق العامة، ومع تدشين هذا السوق، من المتوقع أن تزداد نسبة النساء اللواتي سيتوجهن إلى السوق بعد أن كان ذويهن يتخوفون من ذلك.
وتابعت الوضع الاقتصادي صعب على الجميع، ولكن وجود السوق، بدعم من السلطة المحلية، سيساهم في تحسين معدلات المبيعات، مما سينعكس إيجابًا على الأوضاع الاقتصادية للنساء وأسرهن.
تمكين النساء من خلال السوق
من جانبها قالت شفاء باحميش”إن مشروع مناصرة فتح سوق خاص للنساء لم يواجه تحديات كبيرة، حيث كان هناك تعاون ملحوظ من قبل المأمور ومكاتب المجلس المحلي في المديرية. ورغم ذلك نوهت باحميش إلى وجود مخاوف بشأن تقبل النساء لفكرة النزول إلى السوق، خاصة بعد اقتراح المأمور بفتح سوق السيلة الشعبي كبديل لهن، نظراً لأن بعض النساء يملكن بسطات في السوق العام.
وقالت باحميش أن سوق السيلة الشعبي قد تم تأهيله مؤخراً من قبل منظمة “أوكسفام”، ليكون مكاناً آمناً وجاهزاً، ولكن لا تزال الحركة فيه ضعيفة، مما أدى إلى استمرار مخاوف بعض النساء من عدم قدرتهم على بيع بضائعهن، ومع ذلك استطاعت المجموعة التغلب على هذه العقبات من خلال تكثيف جهود الترويج للسوق، مما سيساعد في زيادة الوعي حوله.
كما أشارت باحميش إلى أن المأمور سيعمل على تحويل الفرزة إلى سوق السيلة، مما يعزز فرص الحركة التجارية في المكان ويساهم في تمكين النساء من البيع والشراء وأن الفريق ما زال يبذل جهوداً حثيثة للبحث عن منظمات تهتم بتمكين النساء اقتصادياً، وذلك بهدف دعمهن في تلبية احتياجاتهن البسيطة مثل توفير الطاولات والمواد اللازمة لتطوير مشاريعهن.
وفي ختام حديثها، ترى أن الوضع الصعب الذي تمر به البلاد يفرض تحديات إضافية، ولكن الفريق عازم على تعزيز الاستقلال المالي للنساء ومساعدتهن في توسيع مشاريعهن رغم الظروف الراهنة.
لقد تمكنت النساء من ترسيخ إيمانهم بقدراتهن ونسجوا شراكة حقيقية مع السلطة المحلية هذا التعاون لم يقتصر على الكلمات، بل تجسد في مشاريع حقيقية تُبرز دور المرأة في الحياة اليومية، مما يجعل دعمهن في شتى المجالات هو استثمار لمستقبل واعد، فتبقى كلمة “أستطيع” راسخة في الأذهان، تدفع الجميع نحو تحقيق أحلام أكبر.