العدالة حكرٌ على الرجال: إقصاء النساء من المعهد العالي للقضاء في صنعاء”

شارك المقال

عبد الرحمن الربيعي _ نسوان فويس

“كانت صدمة العمر، بعد كل هذا التعب، كل هذه الدراسات وكل هذا التعب والسهر شعرت ذهبت جميعها مع الرياح” بهذه الكلمات وصفت “سعاد أحمد”-اسم مستعار- شعورها تجاه ما حدث لها هي وزميلاتها من إقصاء من الدراسة في المعهد العالي للقضاء بصنعاء، حيثُ أصدر المعهد العالي للقضاء بصنعاء في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر2023 كشوفات المقبولين في مرحلة التقديم للدراسة في المعهد العالي للقضاء بصنعاء.

الكشوفات التي ضمت اكثر من 600 متقدم للدفعة ال”25 دراسات عليا تخصصية، اما الدفعة الثانية ” دبلوم العلوم الجنائية” هي الأخرى لم تضم حتى اسم طالبة واحدة من الفتيات المتقدمات واللاتي بلغ عددهن أكثر من 122 طالبة. إذا تم إقصاء ملفاتهنّ جميعا وحرمانهنّ من الاختبار والمنافسة للدراسة في المعهد.

ممنوعات من العدالة


سعاد الحاصلة على درجة الماجستير والتي لم تختر دراسة الشريعة والقانون وبعدها ماجستير إلا لتلتحق بالمعهد العالي للقضاء وتحقيق حلمها في أن تصبح قاضية وتتوج تعب السنين الذي للأسف بهذا الإقصاء “ذهب أدراج الرياح” كما تصف سعاد والتي “قضيتُ سنوات عمري في دراسة القانون واكتساب الثقافة القانونية، من البكالوريوس الى الماجستير، الى أن تقدمت قبل ثلاث سنوات لاختبارات القبول في المعهد واجتزت جميع مراحل القبول، لكنني صدمت عند إعلان المقبولين بإقصائي وانا التي درجاتي كلها في الامتياز وقبول اصحاب المعدلات “المقبولة” لكنني لم أيأس، وانتظرت ثلاث سنوات للتقديم مرة أخرى، وما أن فتح باب التقديم في المعهد، تقدمت بكافة وثائقي الصحيحة والمطابقة لشروط التقديم، لكنّ هذه المرة لم يتاح لنا حتى مجرد المحاولة في اختبارات القبول، فقد تم إقصاء جميع ملفات المتقدمات الإناث” تضيف سُعاد بحسرة مُتسائلة ” ولا أعرف ما وراء هذا الإقصاء الممنهج للنساء هل هي اسباب سياسية ام اجتماعية ام غيرها! لكن لا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد افنيت سنوات عمري بانتظار هذه الفرصة وحين وصلت لها، تم إقصائي ومصادرة حُلمي في أن أكون قاضية”

في هذا السياق عبّر “منتدى قاضيات اليمن” في بيانٍ له عن أسفه واستغرابه من إسقاط كل المُتقدمات للامتحان واعتبر هذا التصرف انتهاجا لتمييز عنصري ضد المرأة، وطالبَ المُنتدى في بيانه “القيادة السياسية والقضائية سرعة التراجع عن أي قرارات تمثل إقصاء للمرأة اليمنية” و “إعادة النظر في معايير قبول الدفعتين المشار إليهما وفقا لما ينص عليه القانون”.

مخالفة للقانون ومصادرة للحقوق

 

من جهتها تقول سارة التي تقدمت للمعهد ضمن الدفعة ال 25 دراسات تخصصية عليا “تقدمنا للمعهد كباقي أبناء الجمهورية، لأن ذلك حق منحنا اياه الدستور والقانون اليمني دون تمييز نوعي او طبقي او عنصري؛ قبل أن يكون الطموح والهدف من دراستنا لقسم الشريعة والقانون” وتضيف سارة “لكنهم بهذا القرار المجحف والظالم، قد صادروا هذا الحق منّا، مخالفين بذلك القوانين الضامنة لحقنا في الدراسة في المعهد كأقراننا من الرجال”
كفل الدستور اليمني للنساء “حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية” وشدد في المواد الدستورية (25 – 31 – 41 – 42) على المساواة وعدم التمييز في حدود القانون. كما كفل قانون المعهد العالي للقضاء رقم (32) لسنة 2008 حق النساء في التقدم والالتحاق في المعهد في المادة (22) التي نصت على شروط التقديم للدراسة في المعهد وفي مقدمتها “أن يكون يمنيا” سواء أكان ذكرا أم أنثى.
وبناءً على ذلك قامت مجموعة من المُتقدمات اللاتي تم إقصائهنّ برفع تظلمات إلى المعهد لكن الجواب كان بأن ذلك ليس من اختصاص المعهد، وأن الإقصاء جاء بأوامر عليا، فتقدمت الطالبات بالتظلمات إلى المجلس الأعلى للقضاء لكنها أيضا قوبلت بالرفض، وكانت مبررات هذا الرفض بأن هذه الدفعة سيتم توزيعها في الأرياف خارج العاصمة، وبأن الفتيات لا يصلح ارسالهن خارج العاصمة كما افادت سارة التي تقول في حديثها “مبررهم بانهم بحاجة إلى توزيع الدفعة في الارياف خارج العاصمة والبنات لا يصلح ابعادهن عن العاصمة، كلام فاضي لا اساس له، مخالف لشروط الالتحاق بالمعهد والذي تتضمن الموافقة المسبقة ع توزيع الدفعة في كل أنحاء الجمهورية متى تطلبت الحاجة لذلك”

من جانبها تقول القاضية إشراق المقطري في حديثها بأن “كان هناك بصيص أمل لانخراط النساء في العمل القضائي من خلال دراستهن في هذ المعهد منذ ان فتحت بوابته للنساء، واغلاق هذا الباب امام النساء يفقدنا هذا الأمل لأن ذلك سينعكس على تغييب النساء تماما عن العمل القضائي في كثير من المحافظات اليمنية” وتعتبر المقطري أن هذا الإقصاء” ضمن سياسة ممنهجة إقصائية للنساء من المشاركة في الحياة العامة” وترى بأن هذا يعود “للمنهج الايدلوجي الضيّق التي تتبناه سلطة الأمر الواقع المسيطرة على صنعاء وعديد من محافظات الشمال، وان هذه السياسة الآيدلوجية باتت تخنق الحياة العامة أكثر فأكثر وخصوصا حياة النساء”

عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية


تعنّت المعهد ورفضه لتظلمات الفتيات دفعهنّ إلى رفع دعوى مستعجلة لدى المحكمة الإدارية التي بدورها أصدرت أحكامها لصالح الطالبات. لكن المعهد قام بالاستئناف ضد الحكم الصادر، إلا أن المحكمة أصدرت أحكامها مرة أخرى لصالح الطالبات والتي نصت على حق الطالبات في المنافسة ودخولهن مرحلة الفحص الصحي.

إلا أنه وبحسب محامي الطالبات زياد الدبعي فإن المعهد رفض تنفيذ الحكم الصادر بحجة أن قرار الإقصاء لم يكن من المعهد العالي للقضاء وانما جاء بناءً على توجيهات عُليا. ويضيف الدبعي بأنه وبعد أن رفض المعهد العالي للقضاء تنفيذ الحكم، خاطبت المحكمة الإدارية مجلس القضاء الأعلى لإلزام المعهد تنفيذ الأحكام الصادرة، ويشير الدبعي إلى أنه في حال الإصرار على عدم تنفيذ الأحكام سيتم تقديم طلب بإحالة عميد المعهد العالي للقضاء إلى النيابة العامة بتهمة عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية. ويشدد الدبعي على أهمية تنفيذ الأحكام من قبل المعهد ووزارة العدل والسماح للطالبات من الاختبار والمنافسة لأن الامتناع عن ذلك آثر سلبي طويل الامد على المجتمع وطعنة في خاصرة العدالة القضائية.

النساء في القضاء اليمني


بدأ التحاق النساء بالقضاء في اليمن مبكرا في سبعينيات القرن الماضي وتحديدا في العام 1971 جنوب اليمن سابقا حتى وصلت نسبة النساء العاملات في القضاء قبل الوحدة 1990 إلى النصف إلى أن النسبة خلال السنوات الأخيرة تراجعت بشكل كبير وملحوظ
حيث أظهرت دراسة نشرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) في العام 2019 بعنوان(المرأة في القضاء في الدول العربية، إزالة العقبات وزيادة المشاركة) أن نسبة النساء في القضاء اليمني 1.8% فيما تصدرت لبنان القائمة بنسبة مشاركة للنساء في القضاء وصلت إلى ما يقرب النصف 49.3% ما يعكس حقيقة تراجع اشراك النساء في السلك القضائي اليمني ويؤكد ذلك النتائج التي يعلنها معهد القضاء العالي في صنعاء تباعا والتي تقصي النساء شيئا فشيئا.

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)

مقالات اخرى