النازحات في محافظة الضالع..17 ألف نازحة يعشنّ أوضاعا مأساوية

شارك المقال

علاء السلال _ نسوان فويس

القت الحرب اليمنية بظلالها السوداء على كافة مناحي الحياة، وخلفت ورائها معاناة خانقة تلتف يوم إثر آخر حول عنق المواطن، في ظل عجز حكومي واضح عن إجراء تدخلات اقتصادية وخدمية وإغاثية تخفف من وطأة الكارثة الإنسانية التي ما تزال توصف في الكثير من التقارير الدولية أنها الأسوأ عالمياً.
ومع استمرار التوترات العسكرية في أكثر من محافظة يمنية تستمر موجة النزوح إلى مناطق أقل خطورة، فضلاً عن ما خلفته كوارث الأمطار والفيضانات من إضرار مادية وبشرية دفعت الآلاف إلى مغادرة مناطقهم والبحث عن سبل العيش في مناطق أخرى، وفي سلم المعاناة تأتي المرأة اليمنية في المقدمة بوصفها واحدة من الفئات الضعيفة، إذ تتضاعف معاناتها بشكل أكبر جراء استمرار ثقافة التمييز الذكوري، وعدم تقبلها خارج البيت، أو ميادين العمل، إلى جانب ضعف تمثيلها في الحكومات، والمنظمات المحلية والدولية.

وللمرأة اليمنية مع النزوح قصص موجعة ترويها نازحات استقر بهن المقام في محافطة الضالع، حيث تنعدم المتطلبات الأساسية للعيش الكريم، ولا تمتلك الكثيرات منهن قوت يومهن، في ظل انعدام أي مصدر للدخل، أو المساعدات الإغاثية، فضلا عن عدم توفر السكن، والماء والنور والرعاية الصحية، وغير ذلك الكثير من المتطلبات الأساسية.

نازحات يتضورن جوعا وأخريات بلا مأوى

آمنة علي صالح (أم نوح) وجه من أوجه المأساة التي تعيشها مئات النازحات في محافظة الضالع، نزحت في العام 2018م من منطقة الفاخر بسبب اشتداد المعارك هناك بين أطراف الصراع، تعرض زوجها للسجن ومن ثم خرج مصابا بمرض الكبد وغادر على إثر ذلك الحياة مخلفا لها خمسة أولاد، إلى جانبهم ثلاثة أولاد لأخيها المعاق، ولا معيل لهم غيرها، تعاني أم نوح من مرض شرايين القلب، ولديها بنت مصابة بمرض الثلاسيميا، وتعجز عن توفير الأدوية لها ولبنتها التي تموت ببطء أمام عينيها.

تقول لمنصة “نسوان فويس والفانوس” إنها تعيش أوضاعا خانقة تنعدم معها لقمة خبز يابسة أو شربة ماء نظيفة، أو لحاف يخفف عنهم قسوة الطقس، ولم تجد حتى الأن من يمد لها يد المساعدة، وكأنها تعيش بمفردها في عالم من الوجع والخذلان.

وتتابع” بعد وفاة زوجي بدأت الحياة تقسو علينا بشكل أكبر، ولم اتوقف عن السعي وراء العمل لكني لم أجد أي عمل ثابت، وصارعت مرارة الحياة بإيمان ولم أترك بابا إلا وطرقته، على الأكثر لنوفر لقمة عيش شريفة”
وتضيف” لكن بدأ التعب ينال مني ومرضت مرضا شديدا ولما ذهبت للمستشفى اكتشفت أني مصابة بمرض شرايين القلب، ومن يومها لم أعد قادرة على حمل أبسط الأشياء، ولست قادرة على تغطية تكاليف العلاج، ونعيش وضعا لا يعلمه سوى الله، لا نجد بعض الأحيان رغيف خبز”
وعن دعم المنظمات تقول أم نوح” سجلنا بالكثير من المنظمات، وسجلوا أسمائنا، ووعدونا بالدعم لكن حتى الأن لم نحصل على أي مساعدة، وكمان رحنا للمسؤولين ووعدونا بالدعم لكن لم يصلنا شيء منهم”
وبرغم مرارة الواقع ووجع الخذلان إلا أن أم نوح ما تزال تأمل أن يكون لديها مشروع صغير يعود عليها بالفائدة ويوفر أدنى متطلبات ثماثية أولاد تعيلهم، وهذا بحسب ما تقول أكثر فائدة من الدعم الإغاثي المؤقت، حيث يضمن لهم مصدر دخل دائم.

أم محمد.. وجه آخر للمأساة التي تعشيها النازحات في محافظة الضالع


ام محمد نازحة ستينية من منطقة الفاخر نزحت في العام 2014م إلى مدينة قعطبة بمحافظة الضالع، تعيل ثلاثة أولاد، وزوج مصاب بالجنون بسبب تعرضه للسجن لمدة ثمانية أشهر، وعند خروجه من السجن كان قد فقد عقله، وإلى ما قبل الحرب كانت تعيش هي وأسرتها بوضع أفضل، ولديهم مزارع للقات تلبي متطلبات حياة كريمة، لكن ما أن دخلت الحرب قريتها في منطقة مرخزة بالفاخر تغير كل شيء، وخيم البؤس والشقاء على كافة تفاصيل حياتهم.
تقول” استقبلنا أهل قعطبة لمدة سنتين في منزل علي حسين المريسي ووفروا لنا كل شيء وبعد عامين تحول السكن الذي كنت فيه إلى مستشفى من قبل صاحبه، وانتقلت إلى منزل في الدائري في مديرية قعطبة إيجاره الشهري ٥٠ الف ريال”
وتضيف “اضطريت للعمل كمنظفة في أحد مستشفيات المدينة لكي أوفر مصاريف الأولاد، وأعمل 12 ساعة براتب 80 الف ريال”
وتتابع” نعيش في منزل شبه متهالك من غرفة واحدة ووقت المطر ينزل الماء فوقنا، وصاحب البيت يهددنا بالطرد بسبب عدم قدرتنا على تسديد الإيجار لمدة سنة”،ومما ضاعف أوجاعها، هو إصابتها بمرض الربو وكذلك إصابة ابنها الأصغر بالكبد والطحال ولحمية بالأنف دون أن تستطيع معالجته.

وتؤكد أم محمد أنها لم تستلم أي مساعدة من أي جهة حكومية أو غير حكومية، وتأمل أن تجد يد العون والمساعدة، أو تنتهي الحرب وتعود لديارها.

 

حفصة الهيال..فصل أخر من المعاناة

لم تكن حفصة حسن الهيال ونازحات أخريات في محافظة الضالع بأحسن حال من أم نوح وأم محمد حيث تكالبت عليهن الظروف، وخذلهن الجميع، وواجهن تحديات كبيرة في السكن والمعيشة، وهذه حفصة حسن الهيال تروي فصلا آخرا من المعاناة، حيث تمكنت الهرب من منظقتها تحت أزيز الرصاص، واستقرت في مدينة الضالع، ومعها تسعة أولاد منهم ست بنات.

تقول حفصة” بعد نزوحنا إلى الضالع في العام 2018م لم نستطع أن نتحمل تكاليف الإيجار سوى لعام فقط، ومن ثم ساعدتنا جمعية خيرية بإيجار عام آخر، وحاليا نحن مهددون بالطرد من البيت بسبب تراكم الإيجار لسنوات، ونحن غير قادرين على دفعها، ولا نمتلك خيارات أخرى”
وتضيف ” نعيش في منزل صغير، ووقت سقوط الأمطار تتسرب المياه تحتنا، والمجاري بجانب المنزل، وكلما كلمنا صاحب المنزل قال لنا إذا ماعجبكم اخرجوا، ونعتمد على مواد أولية ومنها استخدام الحطب للطبخ”.

 

محاولات لتأسيس مشارع صغيرة انتهت بالفشل


صفية صلاح محمد هي الأخرى نزحت قبل ست سنوات بعد أن دمرت الحرب منزلها في منطقة الفاخر، لديها خمسة أبناء منهم ثلاثة أولاد لزوجها، نزحت في البداية إلى حمر قعطبة، ومن ثم إلى فندق الصيادي.
تعرض زوجها لحادث مروري في منطقة مريس، وخسر سيارته، ولم تستسلم هي للظروف القاهرة حيث أسست مشروعا صغيرا في بيتها عبارة عن صناعة البخور وبعض الطيوب، وتوصيلها للبيوت، ومن ثم فتحت دكانا صغيرا وحظيت بدعم وتشجيع الناس.


تقول ” فتحت بقالة صغيرة وطلبت الله على أولادي، لكن مصاريفهم التهمت كل الأرباح ولم يكن لدينا سيولة مالية، ولذلك فلسنا، ولم استسلم وأعدت المحاولة واستعدت البقالة، لكن بشكل خفيف”
تفاقمت مشكلة صفية قبل ستة أشهر بسبب مرضها، حيث تعاني من فشل كلوي، وتحتاج دعامة للكلية، ولم تتلقَ أي دعم حتى الأن من أي جهة كانت، لكنها تؤمل على رجال الخير والمنظمات والجمعيات المهتمة بحقوق الإنسان، وأكبر ما تتمناه أن تتعالج، لكي تستمر في كفاحها ضد الظروف.

منظمات تبتز النازحين وتتاجر بهمومهم


منذ أن اندلعت الحرب اليمنية في العام 2014م انتشرت عدد من المنظمات والجمعيات والمؤسسات ذات الأغراض الإنسانية والإغاثية، ويتلقى البعض منها دعما خارجيا باسم النازحين والمنكوبين، لكن البعض من تلك المنظمات فقد وظيفته ودوره ورسالته، وبات يتاجر بمعاناة النازحين والنازحات، دون أن يكون لها أثر حقيقي على الأرض.
وهذا ما تؤكده الناشطة المجتمعية جيهان عبد الله أحمد التي بدأت العمل المجتمعي التطوعي

كممثلة للجان المجتمعية في مديرية قعطبة بمحافظة الضالع في العام 2014م.

تقول جيهان” بدأت بدعم الأسر النازحة، بتوفير الأكل والشرب في مخيمات سهدة ودبب والصدرين في مريس ثم انتقلت إلى المدارس والمنازل، وفي الحقيقة تعيش الأسرالنازحة أوضاعاً مأساوية، وبالذات النساء، ولا يصلهم الدعم المخصص لهم”
وتضيف” أوجه رسالتي للمنظمات أن يتحروا الأسر المحتاجة وأن يتابعوا المناديب كون هناك بعض الأسر تتعرض لابتراز من بعض العاملين في المنظمات والبعض الآخر لا تصل اليهم كل مستحقاتهم”.

وتتابع” ندعو القائمين على المنظمات أن يتقوا الله ويوصلوا كل الحقوق لأهلها لأنه في أسر يسجلوهم فقط دون أن يعطوهم حقوق وهم أكثر احتياجا من غيرهم”

نازحات مهددات بالطرد من السكن
لا شيء أقسى على الإنسان من أن يكون بلا مأوى يأوي إليه كلما اشتدت عليه ظروف الحياة، يداري خلف جدرانه همومه وأجاعه ودموعه، وأناته، وهذا ما تعيشه الآلاف النساء النازحات في مديرية قعطبة بمحافظة الضالع، بعد أن فقدن بيوتهن بسبب الحرب، وفي هذا السياق يقول الصحفي محمد الشعيبي “قعطبة صاحبة العدد الأكبر بعدد النازحين من بين مديريات محافظة الضالع يعيش فيها النازحون فصولاً مختلفة من المعاناة في السنوات الأخيرة لأسباب أبرزها توقف نشاط الكثير من المنظمات وقلة الدعم والتدخلات إلى جانب المشاريع الإسعافية المؤقتة الأمر الذي انعكس سلباً على الدعم المقدم لهذه الأسر”
ويضيف الشعيبي “النساء الفئة الأكثر معاناة مع النزوح في مديرية قعطبة ووللائي قدمن من المناطق الشمالية الغربية للمديرية كبلاد اليوبي ومرخزة والخرازة وحبيل العبدي، ومن المناطق الشمالية كالحديدة وتعز يواجهن مشاكل كثيرة تتمثل في الغذاء والإيواء ومشاكل في الجانب الصحي ونقص الدواء ومشاكل في غياب الخدمات كالكهرباء ومياه الصرف الصحي والتعليم”
ويتابع الشعيبي” كل هذه الأمور فاقمت أوضاعهن وجعلتهن يتخبطن في أرياف المديرية كريشان وحمر قعطبة وغيرهن والبعض الآخر توزعن بين مخيمات قعطبة المهترئة كمخيم سهدة ودبب ومخيم النقيل وبين السكن في منازل إيجار وسط في المدينة وهذا ضاعف من معاناتهن حيث وصل عجز بعض النازحات عن تسليم الإيجارات إلى أكثر من عام والبعض منهن تعرضن للطرد من قبل أصحاب تلك المنازل”
أعداد النازحين والنازحات ومواقع الإيواء والوضع المعاش

 

وبحسب تصريح لمنصة (نسوان فويس، والفانوس) يفيد محمد الصلاحي مسؤول البيانات والمعلومات في الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مديرية قعطبة أن عدد النازحين في المديرية بلغ 32400 نسمة، منهم 15120 ذكور فيما بلغ عدد الإناث 17280، ويؤكد أن مديرية قعطبة تحتضن أكثر النازحين على مستوى محافظة الضالع.
وبحسب ذات المصدر فأن النازحين والنازحات قدموا من مختلف مناطق الصراع بعد أن فقدوا كل مصادر الدخل، ويتوزعون في 110 موقع بخمس عزل هي (قعطبة، وبلاد اليوبي، والمجانح، والعمرية، وعساف).
ويوضح الصلاحي أن عدد الأسر النازحة المقدرة بـ 5400 أسرة يسكنون في مراكز إيواء مختلفة، حيث تسكن 1100 أسرة في خيم ودشم متواضعة وعمارات مفتوحة ومدراس، فيما تسكن 2500 أسرة في شقق بالإيجار، ويتمركزون في مدينة قعطبة، والمجانح والجبارة، وهناك 1800 أسرة تسكن في منازل مستضافة.
وعن وضع النازحين وعلى وجه التحديد النساء كفئات ضعيفة يؤكد الصلاحي أنهن يعشنّ أوضاعا صعبة ومأساوية، ويقول” لا يوجد تدخلات في الفترة الحالية من أي منظمة في مختلف القطاعات، وأن وجدت بعض التدخلات فهي بشكل محدود للغاية ولا تلبي الاحتياج ولا تغطي العدد”

احتياجات النازحين والنازحات في محافظة الضالع


وعن الاحتياجات يقول الصلاحي” في جانب المأوى هناك 1100 أسرة بحاجة إلى مأوى انتقالي يحفظ لهم الكرامة ويحميهم من الأمطار، وفي جانب الإيجار هناك 2500 أسرة بحاجة إلى دعم نقدي مقابل الإيجار لتسديد الإيجارات بينهم 1000 أسرة مهددين بالطرد من الشقق لعدم القدرة على تسديد الإيجارات ويعيشون في ظروف نفسية صعبة”
ويضيف الصلاحي” جميع النازحين بحاجة إلى دعم نقدي وعيني لتوفير الغذاء، والإيواء، والصحة والتعليم والحماية من المخاطر ومشاريع التمكين الاقتصادي، والصحة النفسية والحقائب الشتوية والمياه”
ويحذر الصلاحي من الأمراض المعدية سريعة الانتشار، حيث بحسب تأكيده ارتفع معدل الإصابة بالأمراض بين أوساط النازحين، وأرتفع معدل الإصابة بالحالات النفسية، والقلق و الاكتئاب.
وعن دور الوحدة التنفيذية للنازحين يقول يوضح الصلاحي” تقوم الوحدة بتشكيل لجان مجتمعية من مختلف مناطق النزوح وتقوم بجمع البيانات بالتسويق والبحث عن التدخلات وتيسير وتسهيل تدخل المنظمات وتوصيل صوت النازحين إلى كل الجهات المختصة وتنظيم عملية التدخلات، ولكن حجم التدخلات منخفض وبشكل كبير”
ويبقى ملف النازحات والنازحين في مديرية قعطبة بمحافظة الضالع مفتوحاً على المعاناة إلى أن تلتفت السلطات المحلية والحكومة والمنظمات إليه، باعتباره ملف إنساني شديد الأهمية، وتجدر الإشارة إلى أن هناك نازحين ونازحات في مديريات أخرى بمحافظة الضالع يعيشون كذلك أوضاعاً مشابهة، ويحتاجون الدعم والمساعدة العاجلة.

مقالات اخرى