أمل وحيش _ نسوان فويس
ليست فتاة عادية، وإن كانت في طفولتها تعاني من التنمر من أقرانها كونها لا تسمع ، فهي الطفلة التي أصيبت بحمى شوكية في عمر الثالثة أفقدتها السمع والنطق، ما جعلها تعاني لسنوات وتحديداً عند التحاقها بالمدرسة حيث لاقت صعوبات جمة كونها لا تفهم ما يقال ولا أحد يفهم ما تريد هي قوله، ولكن الحال لم يستمر فرغبة والديها بأن تتعلم ابنتهما جعلهما يتخذان قراراً بإرسالها من محافظة إب إلى تعز لتلتحق بمدرسة خاصة بفئة الصم والبكم، ومن حينها بدأت (عائشة جباري) ترسم ملامح مستقبلها وتتحدى تلك النظرات التي تقلل من إمكانية نجاحها، فكانت من المتفوقات حتى تخرجت من الثانوية، وبعدها حصدت المرتبة الأولى في الجامعة بتقدير امتياز حاصلة على بكالوريوس نظم معلومات.
الناشطة المجتمعية (عائشة أحمد جباري) ذات ال 28 عاماً متزوجة وأم لطفلين، ورئيسة مؤسسة وئام شباب للتنمية التي تعنى بفئة الصم والبكم خاصة النساء، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست كمبادرة طوعية عام 2019 وسجلت رسمياّ 2023.
تولي (جباري) النساء من فئة الصم اهتماماً كبيرا، حيث نفذت حملة توعوية استهدفت النساء من فئة الصم وتمحورت الحملة حول الأمن الرقمي، وكان من ضمن الأنشطة دورة تدريبية لعدد 20 امرأة من الصم، وإنتاج فيديوهات توعوية عن الأمن الرقمي بلغة الإشارة، إضافة إلى إعداد دليل الأمن الرقمي والسلامة النفسة الذي أعد بلغة الإشارة.
لم تقتصر أنشطة (جباري) على هذا الأمر فحسب بل تقوم بين فترة وأخرى بأنشطة دعم ومناصرة لقضايا النساء من فئة الصم والبكم، حيث عملت على تدريب عدد 20 امرأة حول الحماية القانونية، كما ركزت حملة المناصرة التي قامت بها مؤسسة وئام الشبابية على قصص نجاح لنساء من فئة الصم ، وإنتاج أفلام ورسوم كاريكاتيرية تحكي معاناة الأشخاص الصم.
إشراك المرأة من فئةالصم في صناعة القرار من أهم أولويات (جباري) حيث عقدت العديد من الورش التي ضمت مجموعة من النساء القياديات وصانعات القرار من فئة الصم والبكم ، حيث خرجت تلك الورش بتوصيات من شأنها تحسين الخدمات التعليمية والصحية للنساء الصم بالإضافة إلى إعداد ورقة سياسات حول معوقات إشراك الصم في بناء السلام.
انتزاع حق
قبل أكثر من عام ونصف تقدمت (جباري) بطلب للحصول على منحة مجانية لتعليم اللغة الإنجليزية من معهد اميديست، وخضعت لمقابلة مع أجانب وتم رفض طلبها، وكان الأمر محزن بالنسبة لها، إلا أن نيتها الصادقة سخرت لها إحدى عضوات اللجنة التي تواصلت معها لتتعرف عن قرب عن ماهية طلبها الذي يهتم بفئة الصم والبكم والذي يعد أول طلب من نوعه بالنسبة لهم كمركز تعليمي، وبدورها قامت (جباري) بتوضيح المعاناة التي تعيشها فئة الصم وبأنهم لا يحضون بحقهم بتعلم اللغة الإنجليزية ويحتاجون لتعلم ” ترجمة إشارية” وهو ما لاقى استحساناً لدى العضوة في المركز وطلبت منها تحديد عمل تصور وخطة توضح فيها كل ما تحتاجه للبرنامج التعليمي، وكان ذلك حتى استطاعت (جباري) أن تنتزع حقاً من حقوق الفتيات من فئة الصم والبكم وهو أن يتعلمن اللغة الإنجليزية بلغة الإشارة،
حالياً بدأت مراحل تنفيذ البرنامج الذي سيستمر لمدة عام كامل لعدد ٤٠ أصم في لغة الإشارة الأمريكية واللغة الإنجليزية كمرحلة أولى في محافظتي تعز وعدن مع توفير كامل الدعم والمواصلات لهم طيلة دراستهم من قبل اميديست، وتكفلت مؤسسة وئام الشبابية بباقي التكاليف مع أنها مؤسسة ناشئة إلا أن لديها هدف وتسعى لتحقيقيه بحسب (جباري).
دمج لغة الإشارة
تعمل (جباري) مع زوجها أحمد الأكحلي من خلال مؤسستهم وئام الشبابية لدمج لغة الإشارة في مقررات جامعة تعز حيث تقول :” نحن الآن في الخطوات الأولى لهذا المشروع والذي سيعمل على تحسين التعليم للنساء الصم في الجامعة وسيساعدهن على المذاكرة والفهم أكثر”. وبحسب (جباري) فإن هذا المشروع يعتبر طوعياً تقوم به مؤسستها ولا يوجد أي داعم لذلك.
كما تعكف على إعداد قاموس طبي إرشادي من شأنه أن يساهم في مجال التعليم لفئة الصم والبكم واندماجه في المجتمع بشكل أوسع. وتطمح (جباري) بتحقيق المساواة الإجتماعية للنساء الصم وتحسين دمجهن وتقبلهن في المجتمع.
حياة أسرية
لم تحرم (جباري) من الأمومة فقد رزقت بطفلين أكبرهم عبدالله الذي أصبح يجيد لغة الإشارة بعد أن تعلمها من والديه ليكون مترجماً لوالدته أينما تواجد معها، بينما هي الأم التي لا تبخل على أطفالها بمنحهم جزءاً من وقتها لتعليمهم، وتربيتهم، بمساعدة زوجها الذي يشاركها كل تفاصيل حياتها وتقول (جباري) :”أجلس مع اطفالي في المساء يساعدني زوجي في أعمالي وهو دائماّ ما يكون بجانبي هو مترجم لغة إشارة ويعمل حلقة وصل بيني وبين المجتمع المحيط “.
استطاعت عائشة أن تثبت وجودها في أرض الواقع عندما آمنت بنفسها وبقدراتها، وعزز ذلك انخراطها في العمل التطوعي الذي كان دافعاً قوياً لها للوصول إلى ما تطمح، والداعم الأبرز هو زوجها الذي كون معها إمبراطوريتهم الصغيرة المتمثلة بمؤسسة وئام وطفليهما.
تعد (عائشة جباري) شخصية اجتماعية ملهمة ليس فقط لفئة الصم والبكم بل لكل النساء اليمنيات، كونها تحدت الإعاقة، وواجهت التنمر، وتغلبت على النظرة المجتمعية القاصرة تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، واستطاعت أن تكون لها اسم يستحق أن يذكر كناشطة مجتمعية تتبنى آلام ومعاناة فئة الصم والبكم من خلال الأنشطة والمشاريع التي تقدمها راسمة بذلك خارطة أمل لهذه الفئة بما فيهن النساء. كما أنها بمجهودها وهمتها أن تصبح أول مدربة في اليمن من فئة الصم والبكم في مجال الحوكمة والأمن الرقمي.
توجه (عائشة جباري) رسالة للنساء من ذوات الصم والبكم بأن يتغلبن على الإعاقة ويتجاهلن الرسائل السلبية الموجهة إليهن من قبل المحيطين، وألا يعرن هذه الرسائل أي اهتمام، كما تتوجه برسالة للمجتمع بأن يدعموا النساء من فئة الصم ويشجعوهن على انتزاع حقوقهن لكي يكن قادرات على الاندماج في المجتمع.