عائشة تعيد فتح باب الأمل لنساء القرية

شارك المقال

حنان طه العواضي  – نسوان فويس 


(عائشة الجماعي) امرأة ريفية من قرية نجد الجماعي في مديرية السبرة بمحافظة إب، نجحت في ترك بصمة واضحة في مجتمعها الريفي، وتمكنت من صنع تأثير كبير في حياة نساء قريتها، وصنعت من قصة نجاحها قصص نجاح لنساء أخريات، قامت عائشة بخطوة جديدة ومميزة في القرية، تتمثل بتأسيس معهد تدريبي أطلقت عليه اسم (شباب روافد)، واتاحت من خلاله فرصة لبنات قريتها لتعلم المهارات المختلفة في مجال الحاسوب واللغة الإنجليزية والمجالات الطبية والتنموية المختلفة، بعد أن كان تعلم هذه المهارات متاح فقط في المعاهد الموجودة في المدينة، تعلمت عائشة من والديها الراحلين حب العمل التطوعي وفعل الخير دون مقابل، ما جعلها تتجه للعمل التطوعي منذ أن كانت في الصفوف الدراسية الأولى، حيث كانت تقوم بعمل مجموعات لمساعدة زميلاتها على فهم المواد الدراسية، و قامت أيضًا بعمل مجموعات أخرى لمحو الأمية وتحفيظ القرآن الكريم لنساء القرية، وبعد أن انهت دراستها بدأت تتجه نحو العمل المجتمعي من خلال تأسيس مبادرات مجتمعية في مجالات مختلفة، وكانت حريصة في ذات الوقت على التزود بالمهارات المختلفة والالتحاق بدورات تدريبية في مجال العمل المجتمعي.
بدأت نواة المعهد من خلال مبادرة فريدة لم يسبق عملها في منطقة ريفية من قبل، قامت من خلال هذه المبادرة بتدريب بعض طلاب و طالبات المدارس الريفية على استخدام الحاسوب، وكانت تقوم بمساعدة أعضاء المبادرة بنقل أجهزة الكمبيوتر والمولد الكهربائي من مدرسة لأخرى، ما جعلها تفكر في إقامة مقر دائم في القرية، لتتمكن الطالبات من الالتحاق بالبرامج التدريبية المختلفة في أي وقت، لذا عملت على تحويل منزلها الخاص إلى معهد، وقامت باستخراج التراخيص اللازمة، وأصبح المعهد مع مرور الوقت قبلة لفتيات القرية ينهلن منه المعارف المختلفة، ويتعلمن مهارات جديدة، ويعوضن سنوات الحرمان من إكمال التعليم، وتمكنت الكثيرات من خريجات المعهد من بدء مشاريعهن الخاصة والحصول على فرص وظيفية، وأحد هذه النماذج الطالبة (أميرة السلامي) التي التحقت بالمعهد وتعلمت مهارات جديدة في مجال المجال الطبي ومجالات الحاسوب بعد انقطاع عن التعليم لمدة تزيد عن عشر سنوات بعد انهاءها المرحلة الثانوية، فقد كان بعد مسافة القرية عن المدينة حيث الجامعات والمعاهد، والمتطلبات المادية للدراسة، بالإضافة إلى معوقات اجتماعية كثيرة، عائقًا أمامها عن تحقيق حلمها في الحصول على وظيفة، وكانت بوابة المعهد هي جسر العبور لأميرة لتصل إلى حلمها في تعلم مهارات مختلفة ساعدتها في الحصول على فرصة عمل، حيث أنها الآن إحدى الموظفات في المعهد.
رغم رغبة الكثير من الأهالي بتشجيع بناتهم على إتمام التعليم وتعلم المهارات المختلفة التي تساعدهن على تطوير قدراتهن والحصول على فرص عمل، إلا أن القيود المادية والاجتماعية كانت تقف عائقًا، وكان الصعب على أسر كثيرة ترك القرية خاصة مع اعتماد الكثير من الأسر على الزراعة كمصدر دخل أساسي، ولذا كان إنشاء المعهد في القرية مشجعًا للكثير من الأسر ليسمحوا لبناتهم الالتحاق بالمعهد، ومكن الفتيات من الحصول على التدريب والتأهيل وهن بالقرب من أسرهن، كما كانت رسوم المعهد الرمزية دافعًا للعديد من الأسر بالدفع ببناتها للدراسة في المعهد، وترى (الحجة فاطمة)، أن هذا المشروع الخدمي أحدث تغيير كبير في القرية، ومكن الفتيات من تعويض سنين التعليم التي ضاعت، ولم يقتصر دعم الخطوة التي قامت بها (عائشة) من النساء فقط، بل لقت الدعم والمشاركة في تشغيل المعهد من رجال القرية، حيث بادر الميسورون منهم إلى كفالة بعض طالبات المعهد، ومن صور الدعم الأخرى ما قام به (إبراهيم الحبيشي) وهو أحد المدرسين في المعهد ويشغل منصب النائب الأكاديمي، حيث ترك عمله في إحدى الجامعات الخاصة في مركز مدينة إب، واتجه للعمل في المعهد الذي أصبح يمثل الكثير لأبناء القرية، ولم يعد مشروع (عائشة) لوحدها بل أصبح مشروع يهم جميع أبناء القرية رجالًا ونساءً.

عملت (عائشة) أيضًا على توعية نساء القرية في جوانب مختلفة، من خلال عقد جلسات إرشادية وتوعوية في مختلف المجالات الأسرية والطبية ومجالات الصحة الإنجابية، ومع ظهور فيروس كورونا وفرض القيود الوقائية، اضطرت لإغلاق المعهد لفترة تزيد عن أربعة أشهر حفاظًا على حياة الناس، واستمرت في ذات الوقت، بتقديم النصائح والإرشاد لنساء القرية، من خلال توزيع المنشورات في القرية، والتوعية بالإجراءات الاحترازية عبر مجموعات (الواتس اب)، وبعد أن عادت الحياة إلى مجراها الطبيعي بعد انحسار موجة كورونا، عادت (عائشة) لمواصلة نشاطها التطوعي ورسالتها التعليمية رغم الأضرار الاقتصادية الناتجة عن فترة الإغلاق.
رغم أن (عائشة) تستهدف تعليم الفتيات بشكل رئيسي في المعهد، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية للعديد من الأسر في ظل الحرب، ومن منطلق إنساني بدأت تتيح مقاعد دراسية في المعهد للأولاد ممن حالت ظروفهم الاقتصادية دون استكمال تعليمهم، ومكنهم الالتحاق بالمعهد من اكتساب مهارات جديدة كانت عاملًا مساعدًا للكثير منهم في الحصول على فرصة عمل.
لم يكن مشروع المعهد هو المشروع التعليمي الوحيد الذي عملت عليه (عائشة الجماعي)، حيث تمكنت وبالتنسيق مع جهات حكومية ومجتمعية، من إنشاء مدرسة خاصة بالفتيات في القرية لتوفر عليهن عناء المسافات الطويلة للذهاب إلى مدارس القرى المجاورة، ورغم شحة الإمكانات التي حالت دون الانتهاء من بناء المدرسة بشكل كامل، إلا أنها عملت على بدء الدراسة في المدرسة، وقامت بعمل مبادرة بالتنسيق مع المعهد العالي لإعداد المعلمين والجهات التربوية الأخرى بهدف تغطية النقص الحاصل في الكادر التدريسي، من خلال تأهيل مدرسين ومدرسات من الشباب والشابات ممن انهوا تعليمهم، وتدريبهم على طرق التدريس الحديثة والمناهج المختلفة، وتوزيعهم بعد ذلك على المدارس لسد العجز الحاصل في الكادر التعليمي.
ترى (عائشة) أن حبها للعمل التطوعي وإيمانها بنفسها وبقدراتها وشعورها الدائم بالواجب تجاه مجتمعها هون عليها مختلف الصعوبات والمعوقات الكثيرة التي تواجهها في ظل الظروف الراهنة للبلد، وأصرت على مواصلة الحلم وعلى فتح أبواب وآفاق أوسع أمام الفتيات خصوصًا والمجتمع بشكل عام.
ما لمسناه من جهود (عائشة) على أرض الواقع عند زيارتنا للقرية، وكيف استطاعت أن تصنع الكثير من إمكانات بسيطة، هون علينا طول المسافة والوقت الذي استغرقناه للوصول إلى القرية، قدومًا من مركز المدينة والذي جاوز الساعتين، وجعلنا ندرك جزء من المعاناة التي يعانيها أبناء المناطق النائية في الوصول والتنقل إلى المدينة، وندرك بصدق أهمية وجود مبادرات تطوعية ومشاريع خدمية لخدمة أبناء القرى والمناطق النائية تساهم في رفع مستواهم التعليمي والاقتصادي.

تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان

مقالات اخرى