نسوان فويس: ناهد أحمد
“صرختُ من هولِ ما حدث، ورفضتُ الزواج، وهربتُ لبيت صديقتي في ليلة العقد”.. تلك كانت صرخةُ فتحية التي لم تجد حلًا من مأزقٍ وقعت فيه، إلا الهروب في ليلة عقدها؛ ليتحول زواجُها بعد ذلك من فرحٍ وسعادة إلى حزنٍ وبكاء.
قصة (فتحية)، هي واحدة من عشرات القصص لفتيات في اليمن، وخصوصًا محافظة حضرموت التي يتحدث عنها هذا التقرير، حيث فشلت حالات زواج لسبب أو لآخر، بينما استمرّ زواج أخريات أقرب ما يمكن وصفه: “كالقابض على الجمر”.
ذلك النوع من (الزواج بالأجنبي)، يتمّ في الغالب طمعًا في المال، وهروبًا من التكاليف المرهقة للزواج، لكن تظل الفتاة تدفع ثمنًا باهضًا بعد زواجها، وقد تدفع الثمن مبكرًا كما حدث مع فتحية.
هروب ليلة العقد
تحدثت فتحية لمنصة نسوان فويس قائلة: “كنتُ سعيدة جدًا، وتمّ الزواج بعد التواصل بالأهل، ولم أرَ العريس من قبل، وحتى أهلي لم يروه أيضًا.. كانوا يتحدثون عن أنه كبيرٌ في السن، ولكن لم أتوقّع أن أنصدم ليلة العقد برجلٍ غير قادر على المشي، ويستندُ في مشيه على شخصين، كما أنه لا يستطيع الحديث”.
وأضافت فتحية: “حينها صرختُ من هول ما حدث، ورفضتُ الزواج، وهربتُ لبيت صديقتي.. بعد ذلك تحوّل الفرح إلى حزن، ونتيجة ذلك لجأ أهل العريس للمحاكم مطالبين بأموالهم التي أنفقها أهلي في الترتيب لحفل الزواج، ولازالت القضية في المحاكم، وأنا أصبحت الآن مثل البيت الوقف”.
تقول فتحية إن الأهل والصديقات لعبوا دورًا كبيرًا في إقناعي بالقبول بهذا الزوج، “وكان من المفروض أن أطبّق الشرع في النظرة الشرعية حتى لا يحدث لي ما حدث”.
تمضي قائلة: “المال أعمى عيوني وعيون أهلي الذين يعانون من الفقر، واعتقدنا أن وضعنا سيتغير للأفضل، هذا بالإضافة إلى حبّ السفر الذي يراودني منذ الصغر”.
تتراوح أسعار صرف العملات الأجنبية وتتأرجح من وقت لآخر، وسجلت في مطلع سبتمبر 2023 بمحافظة حضرموت حوالي 1450 ريالًا للدولار، و385 ريالًا مقابل الريال السعودي، وغالبًا ما يكون تكلفة المهر في (الزواج المحلي) نحو مليون ريال، (أقل من ألف دولار).
يحمّل ذلك المبلغُ اليسيرُ الأسرَ التي تزوّج بناتها محليًا همّ توفير احتياجات الزفاف، وتغطية تكاليفه، ما يجعل من الأمر مُكلفًا؛ ولذا تنظر بعض الأسر إلى الزواج بالأجنبي كمخرج من تلك الأزمات المالية، إذ يصل إلى نحو 5 مليون ريال، (5 أضعاف الزواج المحلي)، إضافة إلى تحمّل نفقات الزواج والهدايا).
وسيط في صفقة قد تكون خاسرة
وحول الطريقة التي يتم بها هذا النوع من الزواج تتحدث لمنصة نسوان فويس أم عبدالله، وهي التي تقوم بدور (الخطّابة)، فتقول: “أنا أسعى للتوفيق بين راسين بالحلال، ولا أريد غير الخير للبنات، ولا أغصب أحدًا على شيء”.
وتضيف أم عبدالله: “طبعًا أحصل على المال، وهذا مقابل بحثي وتعبي.. قد يحدث عدم توافق بعد الزواج وهذه سنّة الحياة”.
تصف (الخطّابة) تفاصيل ما تقوم به فتقول: “أنا أحاول معرفة طلب كل شخص يتواصل معي، وأبحث له حسب المواصفات المطلوبة لفتاة أحلامه”، تقول أم عبدالله إن المبلغ الذي تحصل عليه نظير عملها كثير، والطلبات أكثر، “ولهذا أسعى بكل عزم للتوفيق بين عروسين وبشكل سريع”.
تتقاضى أم عبدالله في كل حالة زواج حوالي 500 ألف ريال، أو ما يعادله بالعملات الأجنبية، بالإضافة إلى أجور المواصلات والاتصالات والهدايا وغيره؛ حسب قولها.
انتكاسة أسرية
تحدثنا إلى الأخصائية الاجتماعية نور السقّاف لنعرف تأثير هذه الزواجات على المجتمع، تقول: “إن لظاهرة الزواج من الأجانب كثير من المشاكل النفسية للفتاة حيث تؤدي إلى انتكاسة أسرية مجتمعية نفسية”
وتتابع: “ينظر مجتمعنا للمرأة المطلقة بشيء من النقص والتقليل، ولا يقبل بها الشباب، وقد تلجأ للموافقة على أي زوج سواء كبير في السن، أو له عيوب أخلاقية أو نفسية، وبالتالي قد يتكرر السيناريو السابق، وتصبح الفتاة معقدة نفسيًا، رافضة للتعايش مع الآخرين”
تروى السقّاف قصة فتاة تزوجت عبر وكيل العريس، وسافرت العروس بكامل زينتها للبلاد المجاورة لتكتشف أن العريس يعاني من حالة جنون، ولديه غرفة مليئة بألعاب الأطفال، وأصبح يعاملها كدمية؛ ورفضت العيش، وطلبت الطلاق، وبإصرارها على موقفها طالبوها بدفع المبالغ المالية المدفوعة في الزواج، وساعدها أهلها في دفع تلك الأموال مقابل عودتها.
وتنصح الأخصائية الاجتماعية نور السقّاف المجتمع اليمني باتخاذ موقف تجاه هذا النوع من الزواج؛ بحيث يتم توفير الحماية للفتيات، وإيجاد ضمانات ليكون الزواج مبنيّ على الحقيقة والتكافؤ المجتمعي، وليس على المال.
فخّ المال والضحية الفتاة
حلقة الوصل في مثل هذا النوع من الزواج قد تصل إلى عقّال الحارات، والذين قد يجدون أنفسهم طرفًا في اتفاق لا تعُرف حقيقته إلا بعد الزواج، وعند وصول الزوجة إلى زوجها.
يؤكد راشد باحمدون، عاقل حارة المصطفى في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت، وجود قصص كثيرة وقع فيها الأهالي في فخّ المال؛ لتصبح الضحية فتاة صغيرة لا تدرك مصلحتها.
وأضاف باحمدون: “وصلتنا الكثير من الشكاوي والتوقيع على بعض المحاضر، ولا نعرف أن هناك زواج بالأجانب إلا عند حدوث المشكلة”.
يقول العاقل إن “الأموال المسمومة القادمة من دول الجوار وصلت لمئات الحالات في ظل غياب الوعي والتحذير منها مستغلين الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد”.
يشير باحمدون أن هناك حالات زواج ناجحة، ولكنّ الأكثرية تفشل، أو “نسمع من الأهل ما يشيب له الولدان” والسبب الأساسي لما يحدث هو الفقر، والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد مقابل ثراء فاحش قادم من الخارج.
ويقدّم عاقل حارة المصطفى بالمكلا، نصيحته بضرورة التحرك لإيقاف هذا النوع من الزواج والذي أسماه بالجرائم.
ولعلّ الوجع الأكبر في هذا الأمر هو غياب الدور الرسمي والمجتمعي، على المستوى التوعوي والقانوني، وبالتالي تدفع الأسرة وابنتها الثمنَ قَلّ أو كَثُر، وقد يكون ذلك الثمن نهاية حياة وتدمير مستقبل.