مسلسلات الكارتون.. تأثير سلبي على سلوك الأطفال.. وبدائل مقترحة 

شارك المقال

أمل وحيش – نسوان فويس

في عصر التطور المتسارع للتكنولوجيا، والمحتوى الذي تضج به وسائل الإعلام، يوجد محتوى كارتون موجه لأطفالنا يتدخل بشكل أو بآخر في تشكيل سلوكياتهم، السنوات الأولى هي الأهم في حياة الطفل لأنها هي من تقرر تشكيل وجدانه العقلي، وتطوير نموه الإدراكي وبالتالي فإن للمحتوى الذي تقدمه معظم وسائل الإعلام للأطفال تأثيرًا سلبيًا قد يشوه سلوك الطفل، وينشئ جيلًا لديه خلل ما في السلوك.

مشاهد خيالية، وأكشن، وألفاظ لا تتناسب مع ثقافة أطفالنا وبيئتهم مع ذلك يُتركون عرضة، خاصة وأنهم في مرحلة عمرية لا تسمح لهم بالتمييز بين الغث والسمين، تقع مهمة توجيههم وإرشادهم إلى المحتوى المناسب لسنهم، وثقافتهم وسلوكهم، على عاتق الأمهات في المقام الأول كونها هي من تقوم بالتربية والرعاية والاهتمام بالأبناء، وتشرف على إدارة وقتهم.

تقليد أعمى

 “عيالي أكثر وقتهم يتفرجوا الشاشة ويكملوا يتفرجوا ويرجعوا يتقاتلوا بينهم البين ولا عاد أقدر أفرع” . تقول أم (رمزي) إن أبنائها الأربعة في أعمار متفاوتة أكبرهم بعمر 11 عامًا، يشاهدون التلفاز باستمرار وتلاحظ أنهم شديدي العنف فيما بينهم ومعظم الألعاب التي يلعبونها ألعاب قتال، وأسلحة ومصارعة، وكلما حاولت إيقافهم ومعاقبتهم يقولون بأنهم يتصرفون كما في الحلقة (المسلسل) وهذا ما يسبب لها متاعب كثيرة تصل في بعض الأحيان إلى أن والدهم يتهمها بأنها أساءت تربيتهم، بينما تؤكد بأنها لم تكن تعلم بأنهم قد يتأثرون بما يشاهدونه فكل ظنها أنها تتركهم مع التلفزيون لوحدهم للتسلية ولتتخلص من ضجيجهم كي يتسنى لها إنجاز مهام البيت حسب قولها.

توحد 

“إخواني زادوا تمرد وعصبية واعتقد العصبية بسبب كثرة مشاهدة التلفزيون والجوال لأنها تسبب شحنات زيادة في الجسم”. هذا ما قالته (عايدة) اسم مستعار في بداية حديثها متحدثة عن مدى تأثر إخوانها بشكل سلبي من مشاهدة مسلسلات الأطفال كما تضيف بأن أصغر إخوانها تأثر بشكل مخيف من مشاهدته المستمرة لشاشة التلفاز ومسلسلات وأفلام الكارتون وهو ما يزال في الخامسة من عمره وهو ما جعله منعزلًا ويفضل الجلوس في البيت ويرفض الخروج مع أفراد عائلته لأي مكان، حتى الزيارات العائلية لا يتقبلها، إضافة إلى كونه قليل الكلام والحركة وهو ما تم تصنيفه على أنه حالة توحد،  وتقول ( عايدة) اسم مستعار بأن الحالة التي وصل لها إخوانها من العصبية وسرعة الانفعال والتوحد جعلت والدها يتخذ قرارًابإغلاق التلفزيون لشهور، وبعد فترة عاد تدريجيًا لتشغيله، حينها إخوتها قد بدأوا في التحسن نوعًا ما، وقرر أن لا تُشغل الشاشة إلا نادرًا وحتى لا يُحرم الأطفال من التسلية كان البديل الأمثل من وجهة نظر الوالد هو أن يتم نسخ المسلسلات والبرامج  المفيدة والغير عنيفة أو الخادشة للحياء وعرضها بفلاش (ذاكرة تخزين) على الشاشة وبهذا يكون  الوالدان على دراية بما يشاهد أطفالهم من محتوى وهنا تؤكد (عايدة) بأن هذه الطريقة كانت ناجحة وبداية العلاج من إدمان لمسلسلات الأطفال التي ترى أنها أصبحت أكثر خطرًا على أطفالنا لما تبثه من مشاهد تشكك في العقيدة، وتروج للمثلية، وتعلم الأطفال عدم  احترام الوالدين والمعلم كما في بعض المسلسلات حسب قولها.

وعي أسري 

يشاهد أطفالنا مسلسلات وأفلام وبرامج الكارتون بغرض التلسية، وليس لديهم أي دوافع أخرى كونهم لا يستوعبون ماالذي يقدم لهم وهنا يكمن دور الأسرة المسؤول الأول عما يشاهده الطفل من محتوى مرئي قد يؤثر على عقليتهم، ولذلك وجب على الأسرة الوعي والانتباه إلى المادة التي تعرض لأبنائهم للحد من تعرضهم لمشاكل سلوكية قد تضر بهم وبمن حولهم، وهنا يرى الأخ (إبراهيم الإبي) وهو أب لطفلين، أكبرهما بعمر 6 سنوات ونصف يرى بأن أفلام ومسلسلات الكارتون لاشك تؤثر بشكل سلبي على أخلاق وسلوك الأطفال في حال لا يوجد متابعة وتوجيه من الأب والأم، ويستثني من هذه المسلسلات تلك التي تهدف إلى تعليم الأطفال قيم إيجابية كالمسلسلات القديمة التي يعتقد بأنها كانت أكثر أمنًا على أطفالنا حسب قوله، ويضيف (الإبي) أنه يحرص على إبعاد أطفاله عن القنوات التي تركز في مسلسلاتها الكارتونية على بث العنف وتعمل على تغيير العقيدة، إضافة إلى الألفاظ الخادشة التي تبثها بعض المسلسلات، وأما الطريقة  البديلة التي يتخذها كأب فهي شبيهة لما يقوم به الكثير من الآباء المهتمين و المتابعين لأطفالهم وتكمن في اختياره المحتوى المناسب من خلال تحميل أفلام ومسلسلات كارتون في فلاش، يقول إنه يتابعها هو قبل أن يعرضها على أطفاله على الشاشة حتى يطمئن عليهم في حال غيابه، ويرى (الإبي) أن هناك بدائل أخرى تكون أكثر أمانًا على الطفل تتمثل في منحه فرصة للعب بألعابه، أو مع أقرانه ممن يثق بتربيتهم في مكان قريب من البيت بعيدًا عن الشوارع الرئيسية، أو الخروج مع الأطفال بين فينة وأخرى إلى الحدائق والمنتزهات للترفيه عنهم، حتى لا يدمنون مشاهدة مسلسلات الكارتون التي تؤذي أعينهم وعقولهم وسلوكهم على حد سواء، ويختم حديثه مع منصة (نسوان فويس) بقوله إن الطفل بطبيعته مقلد لكل ما يراه وينصح الآباء إن أرادوا أن يقلع أبنائهم عن عادة سيئة فيجب عليهم عدم ممارسة هذه العادة أو السلوك أمامهم كونهم القدوة لأطفالهم.

مسألة تعود!

(شموخ) أم لطفلين تقول بأن أطفالها ما زالوا صغارًا في السادسة والرابعة ومع ذلك فهي لم تعودهم على متابعة الشاشة، وإنما جل وقتهم يقضونه في اللعب مع أطفال أعمامهم في البيت وفي حال شاهدوا التلفاز فإنها توجههم نحو قنوات تراها مفيدة كقنوات أغاني الأطفال حسب قولها فهي أكثر القنوات متابعة من قِبل أطفال بمثل سنهم.

 من جهتها تقول الأستاذة (لطيفة المقطري) مدرسة لغة إنجليزية وهي أم لطفلتين، لمنصة (نسوان فويس) بأنه لا يوجد طفل لا يحب مشاهدة المسلسلات أو برامج الأطفال سواء عبر شاشة التلفاز أو الجوال، خاصة بعد فراغهم، ولكنها تشدد على ضرورة تخصيص وقتًا محددًا للمشاهدة واختيار المحتوى المناسب، وعن نفسها تؤكد بأنها تختار لبناتها المسلسل الذي يفضلن مشاهدته وتحرص أن تكون فيه الاستفادة أكثر من التسلية، أما من باب الترفيه فهي كما تقول تسمح لهن بمشاهدة مسلسلات كارتون قديمة لأنها ليست مسلسلات اليوم التي تعرض أشياء غير مناسبة للأطفال حسب قولها، وتقول بأنها تخصص لهم وقتًا للمشاهدة في اليوم من ساعة إلى ساعتين حفاظًا على صحتهن، وتنصح ( المقطري) الآباء التقليل من وقت متابعة الأطفال للمسلسلات الكرتونية، وتنوه إلى ضرورة أن يختار الوالدان لأطفالهم المسلسلات المناسبة لأعمارهم.

تأثر واضح 

قصص كثيرة نسمع عنها بين حين وآخر عن تعرض بعض الأطفال للخطر نتيجة مشاهدتهم لأفلام كارتون عنيفة، منها الانتحار أو قتل أحدهم أو إيذاء أصدقاء أو مقربين لهم دون علم بطبيعة ما يقومون به، وهذا ما أكدته لنا المختصة النفسية الأستاذة (إيمان أمين) التي تستشهد بقصة حقيقية حدثت نفذها مجموعة من الأطفال حيث قاموا بالإمساك بقطة وقاموا بتشريحها متأثرين حسب قولها بأحد مسلسلات الأطفال التي تظهر أن هناك كائنات فضائية غزت الأرض وقامت باختطاف بعض البشر وقاموا بتشريحهم وأخذ أعضائهم الداخلية لعمل تجارب عليها. 

وتؤكد (أمين) أن الطفل يتأثر سلوكه كثيرًا بما يشاهد كون هذه المسلسلات مصنوعة لتخاطب عقل الطفل وتسيطر على تفكيره: “هناك قصة حقيقية حدثت في الغرب قام بها أحد المراهقين بتشريح زميله ونزع أعضائه الداخلية كما شاهد في نفس المسلسل أي أن مسلسلات الأطفال لها تأثير كبير على سلوك الأطفال فهو يخاطب الطفل بلغته ويواكب التطلعات العاطفية والنفسية والعقلية لهم” ، كما تضيف بأن هذه المسلسلات تزود الأطفال بالخبرات والمهارات التي تدفعهم لاتباع عادات في كافة مناحي سلوكهم اليومي، لذلك تنصح (أمين) أولياء الأمور بالاهتمام بالأطفال ورعايتهم رعاية تامة وإبعادهم عن كل ما يؤذي أخلاقهم، وتوجه بضرورة عدم ترك الأطفال عرضة لقنوات الأطفال لتبرمج عقولهم كما تشاء، وتنصح أيضًا باختيار القنوات والمسلسلات المناسبة لأعمار الأطفال حفاظًا عليهم من سوء السلوك والعدوانية المفرطة.  

في هذا التسجيل توضح البدائل لحماية الأطفال من التأثر بمسلسلات الكرتون 

أبحاث

 

الدراسات تؤكد أن مسلسلات وأفلام الكارتون الخاصة بالأطفال تظهر مشاهد عنف أكثر بـ ( 50- 60مرة ) من برامج الكبار ومعظم هذه الأفلام تتضمن أكثر من 80 مشهد عنف في الساعة.

وفي بحث أكاديمي بجامعة (ميتشجن) الأمريكية لخص محتوى الرسوم المتحركة في جداول الأطفال، فقد أشار إلى أن الأطفال في الفئة العمرية (2 – 5) سنوات يقضون في مشاهدة الرسوم المتحركة لمدة 32 ساعة أسبوعيًا، أما الأطفال في الفئة العمرية (6- 11) سنة يشاهدون الرسوم المتحركة لمدة 28 ساعة أسبوعيًا، و71% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا لديهم تلفاز في غرفهم، و53% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عامًا لا يخضعون لمراقبة أبوية لما يشاهدونه على التلفاز. وأفادت الدراسات أن 41% من الأطفال يشاهدون الرسوم المتحركة من أجل المتعة و23% يشاهدون الكرتون للتأثر بحركة الرسوم المتحركة والشخصيات الكرتونية، و17% فقط من الأطفال يشاهدون الكرتون من أجل التعلم.

يلجأ الأطفال يوميًا في أوقات فراغهم إلى متابعة الأفلام والمسلسلات الكارتونية التي تجذبهم نظرًا لجودة المؤثر البصري والسمعي المبهر الذي يختلط مع الخيال الواسع والذي بدوره يخترق تفكير الطفل ويترسخ بذهنه بأن ما يشاهده حقيقة ما قد يجره إلى تقليد ما يشاهد متسببًا في مشاكل لنفسه ولغيره بدون قصد منه، أفلام الرسوم المتحركة بكل ما فيها مادة خام للتغلغل في عقول أطفالنا أيًا كان توجهها والغرض من صناعتها، ولكن يبقى الدور الأكبر في حماية الأطفال من الغزو الفكري والثقافي والأخلاقي معتمد على الأسرة التي بمقدورها عدم السماح للشر بأن يتغلب على أطفالهم من خلال متابعتهم المستمرة، وعدم تركهم فريسة للمحتوى الذي يعكر صفو أخلاقهم وسلوكهم. 

مقالات اخرى