اللامساواة في الأجور.. عدالة غائبة واستغلال لحاجة المرأة اليمنية

شارك المقال

أمل وحيش – نسوان فويس 

تعد المساواة بين الجنسين أمرًا بالغ الأهمية كونها تعمل على تحقيق الاستقرار والإنعاش المبكر والتنمية المستدامة بحسب الأمم المتحدة، وفي اليمن على الرغم من ظهور المرأة في الكثير من المحافل إلا أنها ما زالت تفتقر للحد الأدنى من حقوقها التي كفلها لها الدستور، ومنها حق المساواة في الأجور بين الجنسين لأن الثقافة السائدة ترى بأن أجر المرأة يجب أن يكون أقل لاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة والتميز وإنما من منظور ثقافي سائد يعتمد على التمييز بين الذكر والأنثى. 

نسبة كبيرة جدًا من النساء اليمنيات العاملات ما يزلن يعانين من وجود فجوة في الأجور ما بينهن وبين الرجال على الرغم من أنهن أكثر التزامًا وانضباطًا واهتمامًا ببيئة العمل وذلك ما يدفع كثير من أرباب العمل لاستقطابهن ، وهذا ما يؤكد وجود فجوة بين الجنسين كما أكد المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يوضح احتلال اليمن المرتبة  155 من 156 في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين مما يؤكد وجود فوارق كبيرة بين الجنسين من حيث المساواة فيما بينهما في الحقوق.

 

استغلال للحاجة 

تعمل (ل.ح) كمصورة في محل تصوير بدوام فترتين وعلى مدار الأسبوع دون إجازة، حيث تبدأ دوامها في السابعة وتنهيه غالبًا في الثامنة مساءً براتب لا يتجاوز (70) ألف ريال وهذا راتب يرفض أن يتقاضاه الشباب لأنه لا يفي احتياجاتهم إضافة إلى أنه دوام يوم كامل وبدون إجازات، إلا أن ( ل.ح) وافقت على ذلك كونها خريجة جامعية ولم تجد عملًا في تخصصها كمحاسبة بالرغم من أنها كانت من الطالبات المجتهدات، فاضطرت للعمل في محل التصوير بشروط صاحبه، لأنها المعيل الوحيد لأسرتها، وهو ما يشكل ضغطًا نفسيًا عليها تقول: “بدأت نصف دوام براتب أربعين ألف ومع الأيام كلمني المدير بيزود راتبي بس أداوم فترتين ووافقت عشان ظروفي وهذا اللي يخليهم يستغلونا ويجيبوا لنا رواتب لو ولد مستحيل يقبل به”. 

وعلى الرغم من تكليفها بمهام عدة إلى جانب المهمة الأساسية التي جاءت من أجلها إلا أن الراتب هو ذاته فقد تحدثت (ل.ح) أكثر من مرة مع مديرها حتى يرفع لها الراتب مبينة له أنها لا تعمل كمصورة فقط بل عدة أعمال تقوم بها إلى جانب التصوير، لكنه في كل مرة يعدها لا يفي بوعده.

 

كفاءة متساوية 

 

“أكثر مجال ما فيه مساواة هو البرمجة، فأغلب الشركات البرمجية تدور مبرمجات بنات لأنهم بيرضوا ب 60 ألف راتب أما الرجال مستحيل يرضوا بأقل من 200 ويشتوا حق قات وحق أكل وبالنهار يناموا والليل يسمروا ويشتغلوا كيفهم”. هكذا تقول (رانيا) اسم مستعار التي تعمل في مجال البرمجة موضحة السبب وراء اختيار أرباب العمل للفتيات، ومع ذلك على الرغم من أن الفتيات يبذلن جهد مضاعف في عملهن وبراتب أقل إلا أن الكثير لا يعترف بأن عملهن جيد على الرغم من أنهن قد يكن أفضل من الرجال بحسب قول (رانيا) التي ترى بأن ذلك غير عادل بالنسبة للفتيات.

 وربما يعود ذلك إلى أن الموظفة هي السبب حيث أنها منذ البداية ترضى بالقليل، ولا تضع شروطها، لأن المعيار الذي يوضح قيمة الإنسان اليوم هو المبلغ الذي يشترطه لإنجاز عمل ما بحسب رأي (كريمة) اسم مستعار والتي كانت تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات تقول بأن هناك رجال يعملون أعمال أقل منها بكثير مع ذلك يأخذون أجرًا أكبر منها وهو ما يزعجها متسائلة لماذا هذا الظلم؟. 

وتجيب عليها (أم وليد)  التي تعمل كإدارية في إحدى الجامعات قائلة :”احنا نستاهل نعودهم نشتغل بدل الوظيفة عشر ونفس الراتب وغيرنا من  الرجال يجي يشتغل عمل بسيط وعادوه يهرب بنص الدوام وراتبه سعنا مرتين” ،وتضيف: “مع انه احنا نشتغل أكثر من شغله ونبكر بدري ونخرج آخر الناس مع ذلك راتبنا قليل”. وترجع (أم وليد) الأسباب وراء عدم المساواة في الأجور إلى الوضع الذي يجبر المرأة على أن ترضى بالقليل الذي يعد أهون من اللاشيء بحسب قولها.

استهانة 

أخبرتها صديقتها بأن هناك طبيبة أسنان تبحث عن سكرتيرة تجيد استخدام الكمبيوتر وقريبة من العيادة، فانطلقت مع صديقتها لتقدم على الوظيفة ولكنها صدمت عندما سمعت بالراتب الذي ستتقاضاه مقابل العمل لفترتي دوام من التاسعة صباحًا وحتى التاسعة مساءً حيث تقول (ح_ص) التي تبحث عن عمل ليساعدها في مصاريف الجامعة: “رحت فارحة اني لقيت شغل قريب، تكلمنا قلت سهل بشوف حل لموضوع الدوام أقل شيء بالبداية، لما وصلنا عند الراتب دوخت قالت تدي لي عشرين ألف ريال”، هي حقًا صدمة حقيقة أن يستهان بحاجة الناس لهذا القدر من الظلم فبحسب (ح-ص) فإن هذا الموقف يريها كم أن الرجال على حق عندما يطلبون رواتب أكثر، بينما في رأيها أن النساء هن من تركن الفرصة للآخرين باستغلالهن وهضم حقوقهن عندما وافقن على القبول بالحد الأدنى من الأجور حسب رأيها.

أما (أمل عبدالله) فتقول إنها تركت العمل بسبب رفض مديرها منحها زيادة في الراتب أسوة بزميلها الذي جاء من بعدها ويقبض أكثر منها، على الرغم من أن عملهما هو نفسه بل إنها تنجز أكثر منه ومنضبطة في الدوام ولكن لا أحد يقدر ذلك حسب قولها.

ظلم

تشكو (ب.م) من ظلم مديرها الذي استغل حاجتها للراتب كونها مطلقة وتعول ابنتها وتساعد أهلها كذلك في أعباء البيت حيث تقول: “اشتغلت سنة كاملة في عيادة سكرتيرة وممرضة وبداوم من الصباح للمساء والراتب 65 ألف، ونصه يروح مواصلات وصبوح وغداء، ولما كملت سنة وجيت أطالب بزيادة زعل الدكتور مني!” مضيفة أنها تركت العمل بعد محاولات عدة أن يرفع راتبها ولكنه في كل مرة يماطل وهو ما دعاها لترك العمل والبحث عن فرصة أخرى علها تكون أكثر إنصافًا من سابقتها.

مفهوم المساواة في الأجور

لا يعتبر مفهوم المساواة في الأجور بين النساء والرجال حديثًا، فقد أقرته منظمة العمل الدولية منذ سنة 1919 في دستورها باعتباره ركيزة أساسية للعدالة الاجتماعية، وفي سنة 1951 وقعت أول اتفاقية بشأن المساواة في الأجور، وقد اعتمدت عقب الحرب العالمية الثانية، ووافقت عليها معظم الدول العربية حينها.

 

هل القانون اليمني يساوي في الأجور بين الجنسين؟ 

 

المحامية (حياة نصر) تتحدث لمنصة (نسوان فويس) عن قانون العمل والمساواة في الأجور بين الجنسين وتجيب على سؤالنا حول ما إذا كان القانون اليمني يقر بالمساواة بين الجنسين في الأجور أم لا  قائلة: “نعم القانون يساوي بين المرأة والرجل في الأجور ولكن ما لم يكن فيه مساواة هي عدد سنوات الخبرة أو المستوى التعليمي للفئتين وفقًا لقانون العمل مادة (5) الذي ينص على “العمل حق طبيعي لكل مواطن وواجب على كل قادر عليه بشروط وفرص وضمانات وحقوق متكافئة دون تمييز بسبب الجنس أو السن أو العرق أو اللون أو العقيدة أو اللغة”.

كما تؤكد (نصر) بأن القانون أوضح ذلك في المادة (42) من قانون العمل حيث ينص على “تتساوى المرأة مع الرجل في كافة شروط العمل وحقوقه وواجباته وعلاقاته دون تمييز كما يجب تحقيق التكافؤ بينها وبين الرجل في الاستخدام والترقي والأجور والتدريب والتأهيل والتأمينات الاجتماعية ولا يعتبر في حكم التمييز ما تقتضيه مواصفات العمل والمهنة”.

  قانون العمل اليمني وضع ضوابط تحمي حقوق الموظف أو العامل في أي مكان كان كما توضح لنا المحامية (نصر) ومن أبرز تلك الضوابط عدم جواز الفصل التعسفي، كذلك يمنع القانون أن تزيد ساعات العمل عن 8 ساعات في اليوم، أو ثمانية وأربعون ساعة في الأسبوع، ويشترط أن توزع ساعات العمل على ستة أيام عمل يعقبها يوم راحة بأجر كامل، وفي رمضان يجب ألا تزيد عدد ساعات العمل عن ست ساعات في اليوم وستة وثلاثين ساعة في الأسبوع، ويشترط أن تتخلل ساعات العمل الرسمية بشكل عام على فترة راحة للأكل أو للصلاة لا تزيد عن ساعة “كما أن القانون يمنع تشغيل العامل ليلًا بشكل متواصل لمدة شهر أو أكثر حيث يشترط  ألّا تزيد عدد ساعات العمل الاعتيادية أو الإضافية عن اثني عشر ساعة في اليوم  الواحد ويستحق عليها تعويضا بأوقات راحة  مدفوع الأجر وفقًا للمادة (71)،(73)،(74) لقانون العمل.

 

التعامل مع الشكاوى

 

حول تعامل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مع الشكاوى المقدمة من المتظلمين في موضوع عدم المساواة في الأجور بين الجنسين في القطاعين العام والخاص على حد سواء، توضح المحامية (حياة نصر) بأن قانون العمل يعمل على الاستجابة لمثل هذه الشكاوى والسعي لحلها من خلال عقد جلسة مشتركة في حال النزاع خلال شهر بشكل ودي بمحاضر موقعة بين الطرفين، وإذا تعذرت التسوية يحال النزاع إلى مكتب وزارة العمل، ويتم البت في هذا الخلاف خلال مدة أقصاها 15 يومًا، وفي حال لم يصل الطرفين إلى حل يتم رفع قضية للمحكمة العمالية للفصل في النزاع، وتؤكد بأن القانون منصف للمرأة في حال طالبت بحقها في المساواة سواء بمكتب العمل أو بالمحكمة العمالية.

 

في الوقت الذي يحفظ فيه قانون العمل اليمني حق المساواة في الأجور بين الجنسين، يظل هناك قصور في فهم هذا القانون من قبل طرفي العمل، بل إن العدالة قد تكون شبه غائبة لدى بعض أرباب العمل الذين لا يعيرون هذا القانون أي اهتمام لثقتهم بأن معظم الناس وخاصة النساء لا يفقهون شيء في هذا القانون، والأهم هو النظرة المسبقة لدى أرباب العمل بأن المرأة تقبل بالراتب الذي يضعه وبالشروط التي يريدها كونها بالحاجة وهو ما قد يصل بالبعض إلى استغلال تفاني الموظفة أو العاملة ومنحها راتب غير متكافئ مع زملائها من الرجال وإن كانت أكثر إنتاجًا منهم.

وهنا يجب على كل امرأة موظفة أو عاملة أن تطلع على قانون العمل قبل أن تقدم على التوقيع على عقد عمل، وألا تتنازل عن حقوقها التي كفلها لها الدستور والقانون، ويحق لها مطالبة رب العمل براتب يتناسب مع قدراتها وكفاءتها ومهاراتها واجتهادها من أجل مصلحة العمل أسوة بشقيقها الرجل.

 

مقالات اخرى