المرأة اليمنية وحق الوصول للمجالس المحلية.. تهميش أم تجاهل مجتمعي؟

شارك المقال

أمل وحيش – نسوان فويس 

مشاركة المرأة اليمنية في صنع القرار جاءت مبكرة وإن لم تكن بالشكل المطلوب، فقد كانت المرأة حاضرة في العام 1993 في أول انتخابات برلمانية جرت في البلد، وقد ترشحت مجموعة من النساء من مختلف الأحزاب السياسية  ولم يتجاوز العدد 42 مرشحة لم تفز منهن سوى مرشحتين، وفي الانتخابات النيابية 2003 لم تفز سوى إمرأة واحدة من إجمالي 11 مرشحة.

 أما مشاركتها في المجالس المحلية فقد جاءت ضعيفة أيضًا حيث جرت أول انتخابات مجلس محلي في اليمن في 20 فبراير 2001، و كانت تعد حدثًا ديمقراطيًا مهمًا لليمن، وبحسب المركز الوطني للمعلومات فقد تنافس على مقاعد المجالس المحلية في مختلف المحافظات والمديريات أكثر من (22) ألف مرشح ومرشحة يمثلون مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية والمستقلون وأظهرت نتائج تلك الانتخابات عن فوز(6283) مرشحًا ومرشحة في مجالس المديريات و( 417 ) مرشحًا ومرشحة في مجالس المحافظات في الانتخابات الأساسية والتكميلية، و لم يتجاوز عدد الفائزات في هذه الانتخابات 18 مرشحة من أصل 35 امرأة.

واقع غير منصف 

لم يكن تمكين النساء من حقوقهن ومساعدتهن للوصول لصناعة القرار من أولويات السلطات في اليمن لا في السلم ولا في الحرب، حيث ما يزال واقع المشاركة السياسية للمرأة في سلطة القرار غير منصف، ولم تأخذ حقها بعد على الرغم من كفائتها وقدرتها التي قد تفوق الرجل في كثير من الأحيان ،رغم أن النساء اليمنيات كن يأملن على مخرجات الحوار الوطني الذي عقد في مارس 2013 واستمر حوالي 8 أشهر وكانت نتائجه مبشرة بإتاحة الفرصة للنساء وترك المجال لهن بمشاركة فاعلة في مراكز صنع القرار في الدولة، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن فقد انهارت تلك الآمال مع بداية الحرب 2015.

نصوص غير واضحة 

الدستور اليمني لم  يكن واضحًا في نصوصه فيما يتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة ككل أو مشاركتها في السلطة المحلية، وهذا ما يعد عائقًا كبيرًا يحول دون الوصول بسهولة لمركز صنع القرار وفي المجالس المحلية تحديدًا كما توضح لمنصة (نسوان فويس) الأستاذة هدى عون  نائب مدير عام الإدارة العامة للتنمية باللجنة الوطنية للمرأة  حيث تقول إن من أبرز الأسباب هو عدم وجود نص صريح وواضح في قانون الانتخابات تدعم المرأة، أيضًا غياب الرؤية الواضحة لدور المجالس المحلية، إضافة إلى السيطرة الذكورية واحتكار الخدمات التي تسعى السلطة المحلية لتوفيرها للفائزين من الرجال بحسب تعبيرها.

ثقافة مجتمعية 

يرى الكثير بأن لثقافة المجتمع دورًا كبيرًا في معاداة حقوق المرأة والتقليل من شأنها، وبدورها ترى (عون) بأن للمجتمع دور إلى حد ما، وغالبًا يعود إلى ضعف ثقة النساء بأنفسهن وتضيف مشجعة النساء:  “المرأة القوية ذات الثقة بنفسها تستطيع توجد لنفسها مكانة في السلطة والمجتمع”.

وعن أهمية دور الأحزاب السياسية تؤكد (عون) بأن للأحزاب دور كبير من خلال تشجيع النساء ووضعهن ضمن خططهم السياسية، وتعزيز قدراتهن القيادية من خلال التدريب والتأهيل، والعمل على إشراكهن في إعداد وتنفيذ برامج التمكين السياسي من قبل الأحزاب، إضافة إلى تمكينهن ماديًا من أجل التأهب والاستعداد للإنتخابات.

وتشدد (عون) على ضرور تشجيع النساء من خلال إتاحة الفرصة لهن للمشاركة الفاعلية سياسيًا وذلك لن يتحقق دون وجود نص قانوني في قانون الأحزاب يتيح لها تبوء المناصب العليا في الحزب لكي تتدرج حتى تصل إلى المجالس المحلية.

تطبيق الكوتا

(الكوتا) أو المحاصة النسائية تعني تخصيص نسبة، أو عدد محدد من مقاعد الهيئات المنتخبة كالمجالس النيابية والمحلية للنساء، وذلك لضمان إيصال المرأة إلى مواقع التشريع وصناعة القرار، يمثل نظام المُحاصَّة (qouta) أحد الحلول المؤقتة، التي تلجأ إليها الدول والمجتمعات لتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة. 

وقد اقترح نظام تخصيص حصص للنساء خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، في بكين عام 1995، كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية وللحد من الإقصاء وعدم تمثيلهن أو ضعف هذا التمثيل.

حول تخصيص نسبة للمرأة في الانتخابات التي تجري في البلد ككل تقول (هدى عون) بأن هناك ضعف وعي لدى القيادة والسلطة في اليمن حول مفهوم الكوتا، ولا توجد جهة تتبنى رؤية واضحة حول نظام الحصص وإن وجدت دراسات وقرارات لكنها لا تترجم على أرض الواقع.

دور اللجنة الوطنية 

عن دور اللجنة الوطنية للمرأة في دعم ومساندة وصول المرأة للسطلة المحلية تقول (عون) بأن دورها يكمن  في تقديم مصفوفة قوانين للبرلمان يتيح حق الفوز للنساء في البرلمان والمحليات ولكن هذه الخطوة لم تجد استجابة، إضافة إلى إعداد دراسة حول نظام الحصص الكوتا ولم يتم إقراره من قبل رئاسة الوزراء، كما تعمل اللجنة على تدريب النساء في مجالات المشاركة السياسية، وعملت سابقًا على التنسيق لإجراء لقاءات مع صناع القرار والأحزاب السياسية لترشيح ودعم النساء. 

مشاركة غير فعالة 

“لم يكن للمرأة اليمنية أي وجود فعال أو حقيقي في مراكز صنع القرار على مستوى الدولة أو الأحزاب السياسية بشكل عام لا قبل الوحدة في الشطرين ولا بعدها  فقد كان حضورها ومشاركتها لا يذكر فكان لدينا عضو واحد في البرلمان مقابل 300 رجل  وحتى  على مستوى الحقائب الوزارية حصر دور النساء في حقيبتين وأحيانًا لم تكن تمنح للنساء”.

هكذا ترى الناشطة السياسية ومدربة بناء القدرات (جميلة العثماني) وضع المرأة سياسيًا، وترجع الأسباب إلى التركيبة الثقافية للمجتمع، إضافة إلى آلية صنع القرار في اليمن، فمن وجهة نظرها فالمجتمع اليمني لا يدرك أهمية مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ولا يعترف بحقها في صناعة القرار لأسباب ترى أنها تعود لبعض المفاهيم الدينية المغلوطة التي كانت تؤثر على الجتمع لفترة طويلة من الزمن.

كما ترى (العثماني) بأن التركيبة الثقافية للمجتمع ترتكز على مجالس القات، فمعظم القرارات والعلاقات السياسية في اليمن تتخذ في مجالس القات، وهذه المجالس لا تكون النساء مشاركات فيها.

عدم تقبل

تتحدث (العثماني) عن السبب الرئيس وراء عدم إقبال النساء على ترشيح أنفسهن في الانتخابات بشكل عام المتمثل في عدم الوعي والإدراك لدى المجتمع بأهمية وجود نساء صانعات قرار في مستويات الدولة المختلفة،  وتضيف أن الصعوبات لا تمس النساء فقط فالشباب يواجهون صعوبة في المشاركة الحقيقية والفعالة في الحياة السياسية وتُرجع السبب إلى  انحسار صناعة القرار لدى مجموعة من الأشخاص والجهات والعائلات المنخرطة في تشكيلات الأحزاب السياسية والمؤثرين السياسيين بشكل عام بحسب رأيها.

أحزاب لا تدعم 

“الأحزاب السياسية لم تدعم يومًا وجود النساء في مراكز صنع القرار على مستوى التنظيمات الحزبية” بحسب (العثماني) مضيفة “حين تشكل النساء جزء رئيسي من صناعة القرار بالأحزاب ستقوم الأحزاب بدعمها لتصبح صانعة قرار على مستوى الدولة وفي كافة المجالس”.

وحول رأيها بنظام الكوتا تقول “لم تقم انتخابات يمنية  منذ أكثر من عقدين وكلنا نعلم أن مخرجات الحوار الوطني كانت تنص على ضرورة وجود الكوتا النسائية والشبابية في التمثيلات القادمة لصناعة القرار قبل ذلك لم يُقر نظام الكوتا وكانت المنافسة مفتوحة ظاهريًا”.

عن دور المؤسسات المهتمة بقضايا المرأة تقول  (العثماني): “المؤسسات النسوية بشكل عام في اليمن حاولت بجهد أن تعزز من مشاركة المرأة في صناعة القرار لكن على أرض الواقع لم يكن لها أثر ملموس مع الأسف”. 

تهميش

أسباب مختلفة تحول دون مشاركة المرأة في المجالس المحلية ومنها ما ترى أ.د وهبية صبرة نائب رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني وعضو الأمانة العامة/رئيس دائرة المرأة، أنه متعلق بظهور النساء فقط في أوقات الانتخابات، ولا أحد يعرفها إلا في حالة دعمها الحزب الذي تنتمي إليه بشكل حقيقي حسب قولها، وتضيف أنه على الرغم من وجود التهميش إلا أن المرأة تساهم في هذا التهميش لأن المرأة التي خرجت لميدان العمل مهما كانت ناجحة في شغلها إلا أنها لم تشتغل على نفسها بشكل أفضل وقد يرجع ذلك حسب قولها إلى الانغلاق المجتمعي، وربما لهيمنة الذكور ،إضافة إلى عدم وجود قوانين صريحة تشجع المرأة،فيما قد تجتمع كل هذه الأسباب معًا ما يعرقل مشاركة المرأة سياسيًا، وتوجه حديثها للمرأة قائلة : “لا يكفي أن تظهري في أيام الانتخابات، أو المناسبات” وتشدد على ضرورة أن تكون المرأة قيادية وتساهم في مساعدة وحل مشاكل الناس في حيها أو منطقتها حتى يتسنى للناس معرفتها وبالتالي يسهل عليها الوصول لمراكز صنع القرار في الدولة.

وتشدد (صبرة) على أهمية تشجيع الدولة والأحزاب للمرأة، خاصة الأحزاب التي ينبغي أن تعمل على خلق قيادات سواء من النساء أو الشباب، إيجاد أدوار وأنشطة مجتمعية لهم خاصة النساء يستطيعون من خلالها كسب ثقة الناس الذين سيختارونهم في حال ترشحهم للانتخابات.

وتعقب على هشاشة الأحزاب قائلة: “إذا ظلت هذه السياسية بهذا الشكل المنغلق، أيام الانتخابات تبدأ الدعاية ودعاية هشة ورديئة أعتقد لن تصل المرأة ولن تنجح لأن الرجل سيزاحمها بحكم الموقع والمال والصداقات والمصالح المشتركة”.

ضمان للوصول

“نظام الكوتا هو نظام يضمن وصول المرأة وهذا ما تتكلم فيه الحكومة والأحزاب والمنظمات طوال الوقت لكن عندما تأتي الانتخابات تضيع الكوتا”.برأي (صبرة) فإن  الكوتا تظهر في الانتخابات لأن المصالح هي من تطغى على كل القرارت الدولية والمحلية. 

وتضيف أن الحوار الوطني كانت هناك مشاركة فاعلة فيه للمرأة وذلك يعود إلى فرض قرار يلزم الأحزاب بتخصيص مقاعد للنساء في الحوار وهذا ما وافقت عليه الأحزاب السياسية، ولهذا ترى (صبرة) بأنه لو فرض قرار الكوتا خارجيًا كل الأحزاب والقيادات ستوافق عليه وسنرى المرأة متواجدة ضمن الترشيحات النيابية والوزارية والمحلية.

تعزيز 

ترى (وهبية صبرة) بأن تعزيز مشاركة المرأة في المجالس المحلية يأتي من المرأة أولًا حيث أنها تستطيع أن تثبت نفسها، وتعمل على تطوير نفسها أكثر، وتنخرط في البيئة المجتمعية من حولها وتساهم في غرس الصورة الإيجابية عنها في الذهن المجتمعي بحيث يتمكن الناس من معرفتها وهذا بدوره سيسهل عليها الوصول للانتخابات وسيختارها الناس لمعرفتهم بها والخدمات والأنشطة التي تقوم بها.

كما تشدد (صبرة) على ضرورة وجود دولة قوية تعمل على إصدار قانون انتخابات جديد أو تعدل في القانون السابق بما يتناسب “نحن الآن نطلب أن يكون هناك دولة قوية تصدر قانون انتخابات وهل القانون السابق صالح أم لم يعد صالح، هل القوائم الموجودة يُعمل بها أم تتغير”. 

تشكيل ضغط 

ولأن الوضع الراهن لا يسمح بوجود انتخابات أيًا كانت نوعها نظرًا للصراع الدائم والمستمر منذ سنوات، والوضع الاقتصادي المتدهور، وانقسام البلد إلى طرفين، فإن (صبرة) تستبعد وجود أي انتخابات في الفترة الحالية، وتقول بإن ما يهمنا الآن كيمنيين هو أن تنتهي الحرب وتخرج اليمن من هذا المأزق وأن نرى اليمن معافى من الأمراض التي أصابت النسيج الاجتماعي. 

وتدعو (صبرة) أن يعمل الجميع  نساء ورجال على ضرورة الضغط على المتحاربين اليمنيين للعودة إلى طاولة الحوار.

رسالة أخيرة

“اشتغلي على نفسك اعملي شيء سيصلك لقلوب الناس وعقولهم بهذا الفعل القوي والظهور ستصلي إلى ما تطمحين إليه”، كلمة أخيرة عبر منصة (نسوان فويس) وجهتها أ.د وهبية صبرة للنساء، كما خصت النساء في الأحزاب برسالة وهي أن يقمن بالضغط على أحزابهن لدعمهن وتأهيلهن وتعريف الناس بهن قبل بدء أي انتخابات لأنها عندما تترشح دون أن يعرفها أحد لن تنجح حسب قولها. 

لمحة

  • في العام 2006 قبيل الانتخابات الرئاسية  ،تظاهرت العشرات من الناشطات اليمنيات بالعاصمة صنعاء مطالبات الرئيس السابق علي صالح بإنصاف النساء ودعمهن حتى يتسنى لهن المشاركة في الانتخابات المحلية التي كانت مقرة في سبتمبر 2006 تزامنًا مع الانتخابات الرئاسية، وقد دعا حزب المؤتمر الحاكم آنذاك بقية الأحزاب إلى منح المرأة حقها في المشاركة كمرشحة، وتخصيص 15% من مرشحي المحليات للنساء، وتخصيص دوائر لهن، ولكن تظل مطالبات دائمة لا تلقى لها آذان صاغية حتى الآن.

التجاهل المجتمعي بنظر الكثير ما هو إلا عجز أو الشماعة التي يعلق عليها الآخرين عجزهم، ولكن بالعمل والجد تستطيع المرأة أن تثبت نفسها وتغير النظرة القاصرة تجاه مشاركتها في الحياة السياسية، ومع مرور الوقت سيعتاد المجتمع وسيتقبل أن المرء بجهده وعطاءه لا بجنسه. 

 

مقالات اخرى