الموت على الطريق.. رحلة البحث عن العلاج في الريف اليمني

شارك المقال

خديجة الجسري – نسوان فويس

في اليمن، لا تقتصر معاناة النساء في المناطق الريفية على صعوبة الحياة اليومية، بل تمتد إلى رحلة البحث عن الرعاية الصحية، التي غالبًا ما تُكلفهن حياتهن أو حياة أطفالهن.

 تُظهر قصص النساء في محافظات الضالع، ريمة، وعمران، أن الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية ليس حقًا مضمونًا، بل هو تحدٍ محفوف بالمخاطر.

الفقر والبعد.. ثمن باهظ تدفعه النساء

صالحة، امرأة في الثلاثينات من قرية جبل الشامي بالضالع، فقدت سبعة من أطفالها قبل ولادتهم، بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى الرعاية الطبية في الوقت المناسب.

 في حملها الثامن، قررت السفر إلى مدينة دمت لتبدأ رحلة علاج شاقة أنقذت جنينها، لكنها لم تكتمل. عند المخاض، لم تتمكن من الوصول إلى المستشفى بسبب وعورة الطريق والحظر الليلي، ففارق مولودها الحياة بعد ولادة متعسرة أشرفت عليها “الداية” في القرية.

تتكرر هذه المأساة في قرى أخرى. تروي منى عبده من محافظة ريمة أن النساء الحوامل يواجهن صعوبات كبيرة عند الولادة، و يضطررن أحيانًا إلى نقل المريضة عبر طرق جبلية وعرة، مما يضاعف آلامهن وقد يؤدي إلى فقدان الأم أو المولود.

نظام صحي منهار وتحديات لا حصر لها

تُشير تقرير صحفية إلى أن المراكز الصحية في المناطق الريفية تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية. ففي عزلة نعوة بمحافظة الضالع، تخدم الوحدة الصحية الوحيدة قرى سواد، والمجد الأعلى، والأحد الأسفل، وغريسة، والمشهد، والرزايم، ونعوة القديمة.

 ورغم أنها تغطي احتياجات سبع قرى، إلا أنها تفتقر تمامًا إلى خدمات الصحة الإنجابية، بحسب تصريح الدكتورة حنان مانع لمنصة “نسوان فويس”، التي أوضحت أن الوحدة لا توفر أي وسائل لتنظيم الأسرة، ويقتصر عملها على قياس ضغط الدم للحامل فقط. وتتكون الوحدة من ثلاث غرف فقط: صيدلية، وغرفة تغذية، وغرفة للتحصين. 

كما أن نقص الكوادر الصحية المؤهلة يفاقم الأزمة، فالأطباء والممرضات يتركزون في المدن بسبب غياب الحوافز، ما يترك القرى النائية دون تغطية طبية كافية.

في محافظة عمران، أكدت القابلة الصحية منال أبو طالب، التي تعمل في الوحدة الصحية بمنطقة بني مالك، أن الوحدة لا تستطيع تقديم خدمات طبية كاملة للحوامل أثناء الولادة بسبب ضعف الإمكانيات. وأوضحت أن الوحدة تكتفي باستقبال الحالات الأولية، مثل الإسهال والحصبة، بينما تُحال الحالات الحرجة إلى المستشفيات الكبرى.

وأشارت أبو طالب إلى أن بُعد المسافة عن المستشفيات يشكل عائقًا كبيرًا أمام نقل الحالات الطارئة. وتحدثت عن أن عملها يحظى بدعم من منظمة اليونيسف، ما يساعد على استمرار تقديم بعض الخدمات الأساسية للسكان رغم التحديات.

أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور فارس النجار أن غياب المراكز الصحية لا يؤثر على الجانب الصحي فقط، بل يمتد ليطال الجانب الاقتصادي، فتكاليف النقل الباهظة تمنع الأسر الفقيرة من الحصول على الرعاية، وتكرّس دائرة الفقر. 

من جانبه يرى الأخصائي الاجتماعي الدكتور صلاح الحقب أن هذه الظروف تؤثر على المشاركة الاجتماعية للنساء، وتُفقدهن القدرة على العمل والتعليم.

جهود حكومية رغم الصعوبات

أوضحت الدكتورة زينب البدوي، مدير عام صحة الأم والوليد بوزارة الصحة، أن اليمن يسجل من أعلى معدلات وفيات الأمهات والمواليد في المنطقة، بسبب تدهور النظام الصحي. ومع ذلك، تشير البدوي إلى أن الوزارة وضعت النساء والأطفال في صدارة أولوياتها، وقامت بوضع استراتيجيات للحد من الوفيات.

وأسهمت هذه الاستراتيجيات، مثل “البرنامج اليمني للقبالة” و”نظام القسائم الصحية”، في خفض معدلات الوفيات. 

وتوصي البدوي بضرورة تعميم نظام القسائم الصحية على جميع المحافظات، وتوفير نظام إحالة طبي متكامل لضمان الوصول إلى الرعاية.

ضرورة التدخل العاجل

تعكس قصص النساء الواقع المؤلم الذي يواجهنه، وتُظهر أن تعزيز الرعاية الصحية في القرى النائية ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة عاجلة لإنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة.

 ويُجمع الخبراء على ضرورة دعم المجتمع المدني والمنظمات الدولية للمساعدة في كسر دائرة الفقر والتهميش.

مصدر الصورة: موقع البنك الدولي

مقالات اخرى